كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: كل عناصر الكارثة تتجمَّع. واستقالة المدير العام لوزارة المالية آلان بيفاني، تبدو كأنّها إحدى إشارات النهاية. فهل هناك مجالٌ لإنقاذ شيءٍ ما مِن تحت الركام؟
بين الولايات المتحدة، تزداد سخونةً لعبةُ الوقت. ولبنان تبرَّع ليكون ساحة الحرائق التي ستشتعل في المرحلة المقبلة، من دون أن تكون له أي قدرة على الإطفاء:
1- أمنياً، لا شيء يَضْمَن نجاح المجلس الأعلى للدفاع في ضبط الأمن إذا ازداد الغليان.
2- نقدياً، مِنصَّة مصرف لبنان المركزي، بالتنسيق مع الصيارفة، لن تتكفَّل بضبط انهيار الليرة في السوق السوداء.
3- اقتصادياً واجتماعياً، ستقف الحكومة عاجزة أمام الكارثة الآتية، إلى الخبز والمحروقات والكهرباء وسائر السلع الأساسية.
وفي الموازاة، تسارعت 3 سقطات فادحة داخل فريق السلطة، خلال أيام قليلة:
– السقطة الأولى هي أنّ بيفاني، في استقالته، توجَّه بالنقد خصوصاً إلى فريق السلطة وأظهره عاجزاً وخاضعاً للقوى السياسية التقليدية التي ترعى الفساد.
– السقطة الثانية كانت بيان “لقاء بعبدا”، الذي شكّل مضبطة اتهام للسلطة والطبقة التي تديرها، إذ أثبت للجهات الدولية أنّ من المستحيل إنقاذ لبنان في ظلّ هذه السلطة. وتالياً، هو منَحَ هذه الجهات مزيداً من المبرِّرات للمضيّ في التشدُّد والعقوبات.
– السقطة الثالثة هي افتعال توتر مجاني مع الولايات المتحدة، من خلال الحُكْمِ القضائي على سفيرتها دوروثي شيا، في لحظة الكفاح المرير لفكّ الحصار الأميركي،
سواء في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أو في مغازلة الخليجيين أو مناجاة فرنسا لتحريك مساعدات «سيدر».
اليوم، على مستوى يفوق الـ8000 ليرة للدولار، أصبحت رواتب الكثيرين في حدود الـ100 دولار أو أقلّ، أو 200 دولار أو أكثر بقليل. وهذا يعني أنّ غالبية اللبنانيين باتوا يطمحون إلى الحصول على الغذاء والدواء، لا أكثر.
وأي إنفاق آخر يطرأ، خارج ذلك، سيكون متعذراً، ولو كان حيوياً كالطبابة والاستشفاء والتعليم وصيانة السيارة أو المنزل.
وستصبح رواتب غالبية اللبنانيين، لا في حدود بضع مئات من الدولارات بل ربما بضع عشرات. ويوحي مسار الأزمة النقدية وطريقة تعاطي السلطة، بأنّ بلوغ هذه الكارثة لم يعد مستبعداً.
ماذا يعني هذا التبخُّر شبه التام لمداخيل اللبنانيين؟
في المقابل، ستُنزِل قوى السلطة أزلامها ومحاسيبها لخرق صفوف الجائعين، كما فعلت قبل أسابيع. وستعتمد أساليب القمع من جهة، والاستيعاب من جهة، والتهديد بالفتنة الطائفية أو المذهبية من جهة أخرى.
سيكون هناك جائعون من هنا في مواجهةِ جائعين من هناك، يتشابكون في الشارع أمام أعيُن جائعين آخرين هم رجال العسكر والأمن. وستسود الفوضى، وسيكون أهل السلطة في ذروة الإرباك والتخبّط! سيصبح التهديد الدولي أعنف: واشنطن تُصَعِّد العقوبات، باريس والعرب لا يبالون إلّا ببضع “كراتين إعاشة” ربما، صندوق النقد الدولي يلوِّح بسحب يده من المفاوضات، ودعاوى قضائية قد يرفعها دائنو سندات “اليوروبوند” أو سواهم كثيرون.