كثيرة هي القوى السياسية التي تصالحت مع فكرة تقول بأن الإنهيار الكامل لا مفر منه، وأبرز هذه القوى “حزب الله”.
ليس صعباً على من يراقب تصريحات الحزب، ومسار عمله ونشاطه أن يلاحظ أنه تصالح مع فكرة الانهيار الكامل وبدأ منذ اسابيع وربما أشهر العمل على التكيّف معها.
يتعامل “حزب الله” مع الإنهيار على أنه قائم، حتى أنه بات يرى الحكومة، منذ الاسابيع الاولى التي تلت تشكيلها، انها صيغة لإدارة الإنهيار وليس للخروج منه، ومعيار نجاحها او فشلها بالنسبة له هي بقدرتها على هذه الإدارة،
بمعنى آخر يسعى الحزب الى إبطاء التدهور لكسب الوقت ولتأجيل الإنفجار الشعبي الذي سيشكل ساعة الصفر لتدخله المباشر في الأزمة.
ككل القوى السياسية، هناك في “حزب الله” من بات يعتبر أن الإنهيار الكامل يسهل الإصلاح، لان البناء يكون من جديد بعد انهيار الهيكل بكل قواه وعناصر قوته التي تستطيع الآن عرقلة “الإصلاح” المفترض،
وبما ان المعركة خاسرة لأسباب ذاتية وموضوعية مرتبطة بطبيعة الحزب ومشروعه وموارده وطبيعة البلد الإجتماعية والديمغرافية وحجم الدولة العميقة وقوتها، فإن الإصلاح طار الى حين سقوط الهيكل.
يعمل الحزب على مسارين، المسار الأول مباشر، عبر تأمين مقومات الصمود لبيئته، وهو يحضر لما يسميه بعض المطلعين لإنجازات على المستوى المعيشي، ستشمل الاساسيات والكماليات ما يخفف من وطأة الأزمة المعيشية على البيئة،
ويمكنها من الصمود ويزيد من الشرعية الشعبية للحزب في بيئته وربما في البيئات الأخرى، هكذا يكون الحزب قد حول تهديد الإنهيار، الذي كان يهدف الى افتعال شرخ بينه وبين بيئته الحاضنة،
الى فرصة ليكون هو “المنقذ لهذه البيئة مجدداً” وتالياً ضرب أهداف الحصار. قبل اسابيع تحدث الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن ان الحزب افشل اهداف بقاء الجيش الاسرائيلي داخل الشريط الحدودي عبر قصف المستعمرات،
اذ كان الهدف من الاحتلال ابقاء المستعمرات آمنة وبعيدة عن الاستهداف، فأدى افشال هذا الهدف الى الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب. ويبدو ان الحزب سيعمل وفق نفس الصيغة في موضوع الحصار الاقتصادي.
الأهم هو الثمن الذي سيأخذه الحزب بعد الحصار، وهذا هو المسار الثاني، الذي يعني ان الإنهيار الكامل سيؤدي الى تغيير النظام الحالي الحافظ للتوازنات الدولية بشكل كامل، قد لا يخوض الحزب معركة من أجل هذا الهدف، غير ان الواقع وحده سيكون كفيلا بإسقاط النظام.
في سيناريو متوقع قد يستمر الضغط الأميركي الى حد كبير ما يؤدي الى انهيار حقيقي يشمل الإنفجار الشعبي والفوضى، ما يدفع “حزب الله” الى السيطرة الكاملة على مناطقه وفتح الطرقات من اجل المساعدات والدعم الإيراني على كل المستويات المعيشية وغير المعيشية،
الامر الذي قد يترافق مع تفلت في قبضة القوى السياسية الأخرى وتحديدا
القوى التي تخاصم الحزب، والتي ستعاني من ضعف هائل في الموارد وفي عدم قدرة على ضبط شارعها خصوصا ان قدرتها اللوجستية لا تسمح لها بمثل هذه الوظيفة.
هذه الفوضى التي سيخرج منها “حزب الله” بوصفه الأقل خسارة شعبياً وتنظيمياً، ستترافق مع انقلاب كامل بالنظام الإقتصادي وما يسميه الحزب “تشبيك إقتصادي كامل مع الشرق” الذي سيصبح امراً واقعاً لا يمكن الهروب منه. كل هذا المشهد سيكون بمثابة مخاض لمؤتمر تأسيسي جديد يكون الحزب الأقدر فيه على فرض شروطه.
كل ذلك فرضيات تطرح داخل الأروقة السياسية،
لكن هذه المسارات المتوقعة، قد يعرقلها او يسرعها تطورات إقليمية مرتبطة بملفات حساسها منها الملف الفلسطيني وعملية ضم الضفة الغربية وموعدها، ومنها استمرار الاستقرار النسبي الداخلي في لبنان الى حين خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين، أو اشتباكات جدية بين “حزب الله” واسرائيل، وربما تسوية ايرانية – اميركية مبكرة.