ما يفاقم المخاوف المحلية والدولية، ليس الجوع وحده، وانما ما سيخلفه من توترات امنية وفوضى اجتماعية بدأت اصداؤها تتردد دوليا من خلال «توقعات» بحرب أهلية على اما أودت جريدة التايمز البريطانية التي أوردت إن لبنان بات اليوم يعيش فعليا ضمن مفاهيم ومنظور «الحرب الأهلية الجديدة». مذكرة بالتحركات الاحتجاجية، وتحول بعضها إلى اشتباكات تأخذ منحى مذهبيا احياناً، بشكل أعاد خطوط الصدع التي تميزت بها الحرب الأهلية.
معطيات محلية ودولية تذهب في هذا الاتجاه لتؤكد ان الانهيار الذي يغرق فيه لبنان قد لا يقف عند حدوده المعيشية والاقتصادية في حال استمرت السلطة في حالة الانكار، وفي معالجة سرطان الازمة بالمسكنات فيما هي تبيع كل شيء لتشتري الوقت.
والبيع هنا، وفق مصدر دبلوماسي يشمل الدولة والمواطن، معتقدة ان المقبل من الأيام سيحمل لها بشرى ما من صندوق النقد الدولي او من تغيّرات في السياسة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر قد تعمل لمصلحتها. وفي الأثناء، يطلب من اللبنانيين ان يتحملوا تكلفة صمودهم بانتظار تسوية غير واضحة الأفق، وخدمة لإنقاذ النظام السوري من قانون قيصر.
وفيما هي تنتظر تسوية دولية، تلجأ السلطة اليوم على جاري عادتها عند اشتداد ازماتها، الى التلويح بالبعبع الأمني وتخويف اللبنانيين بعناوين وسيناريوهات حفظوها. فبعد كلام رئيس الجمهورية ميشال عون في لقاء بعبدا الأخير عن «مناخ الحرب الأهلية» مع تحول الاحتجاجات الاقتصادية إلى طائفية متحدثا عن «حركات خرجت بطريقة مشبوهة، بعضها يستخدم غضب الناس والمطالب الشرعية لزرع العنف والفوضى من أجل تحقيق أجندتها»، أخرج وزير الداخلية محمد فهمي أرنب «داعش» من جيبه، لافتا الى أن التطورات والأحداث التي تحصل في محافطة إدلب السورية، ستودي إلى نزوح سوري جديد إلى لبنان مع إمكانية تسرّب عناصر من «داعش» بينهم بهدف افتعال أحداث في البلاد. وفيما يبدو ان السلطة لن توفر وسيلة للدفاع عن نفسها، امام خطر وجودي كهذا، تتجمع في سمائها غيوم دولية لا تلعب لمصلحتها وتتكشف يوما بعد يوم مع تزايد الضغوط الأوروبية والاميركية عليها لتضييق الخناق على حزب الله سعيا الى إخراجه من الحكومة، بل من المعادلة السياسية برمتها.
ففي غضون أسبوع توالت التصريحات الأميركية محملة حزب الله مسؤولية انهيار الوضع، وفحواها: لدعم لبنان على الخروج من أزمته عليه تشكيل حكومة مستقلين لا يسيطر عليها حزب الله أو يقودها، والشروع في إصلاحات جذرية تؤهلها للحصول على مساعدات المجتمع الدولي.
أربعة مواقف اعادت لبنان الى دائرة الضوء الأميركي بعد تجاهل طويل. فللمرة الأولى، يخرج مسؤولون أميركيون ليردوا على امين عام حزب الله حسن نصرالله بالاسم.
ليس كلام الاميركيين وحده ما يقلق الحكومة اللبنانية. الفرنسيون والبريطانيون، يتلاقون مع الموقف الأميركي حد التطابق، وهم دأبوا في الفترة الأخيرة على تمرير رسائل تشي بتغير موقفهم الداعم للحكومة. اضافة الى مواقف المجموعة العربية.
الصفعة الأخرى التي تلقتها الحكومة، واعتبرها البعض نعيا للمفاوضات مع الصندوق، تجلت في تصريح لمديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا في معرض توصيفها الوضع اللبناني والذي طغى عليه الطابع الوجداني، اذ استخدمت عبارة «قلبي ينفطر على لبنان»، ملمحة الى ان الحكومة غير قادرة على إنجاز الإصلاح.
المواقف الأميركية والدولية وضعت لبنان أمام خيارين: إما مواصلة انحداره نحو المجهول، وإما إيجاد تسوية على سلاح حزب الله. يعني عملياً تخييره بين الجوع او السلاح.
وهذه المعادلة أصبحت واضحة بالنسبة إلى حزب الله وقد مهد لها نصرالله قبل أيام بالقول: «من يرد أن يجوعنا فسنقتله، سنقتله، سنقتله». ففي تماهٍ مع أدبيات الحزب، نشر الشيخ صادق النابلسي، استاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، الذي درج منذ أسابيع على إطلاق الرسائل للداخل بإيعاز من حزب الله، تغريدة هدد فيها بـ«7 آيار» جديد وبالقمصان السود على خلفية قطع طريق الجية نحو الجنوب، معتبراً أن خطوط مواصلات الناس هي خطوط اتصالات المقاومة.
وللتذكير فإن حوادث 7 آيار 2008 شكلت هيمنة كاملة لحزب الله على بيروت، إذ انتشرت مجموعات مسلحة موالية له في أحياء بيروت، وقاموا بعمليات خطف وقتل على السكان العزل.
إلى ذلك، وفي خطوة غير دبلوماسية، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في صور محمد مازح قراراً يمنع السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا من التصريح عبر الاعلام. وعلقت شيا قائلة: «سفيرة الولايات المتحدة لن تسكت.. وسمعنا اعتذاراً من الحكومة عن قرار هذا القاضي».
المصدر: القبس