شهدت الأيام الماضية تحوّلًا في الموقف الفرنسي من الأزمة اللبنانية، بعدما باتت فرنسا مقتنعة بأنّ هذا البلد عصيّ على الإصلاح، وفقدت الأمل بإمكان تنفيذ إصلاحات تجسّد دربًا إلزاميًا للإفراج عن المساعدات.
ووفقًا لمصادر دبلوماسية فرنسية، حصل تغيير في الرؤية الفرنسية حيال الأزمة اللبنانية، وبموجبها لم يعد مؤتمر “سيدر” قابلًا للترجمة، بعدما أضاع لبنان كلّ الفرص.
ما حقيقة الأمر؟
لطالما تمايزت فرنسا في موقفها من الأزمة الإقتصادية في لبنان عن باقي مكونات المجتمع الدولي، وأبدت استعدادها بشكل متواصل لإعانة لبنان للخروج من ضائقته.
تُرجم ذلك في مؤتمر “سيدر” وقبله في مؤتمرات باريس 1 و 2 و 3.
التمايز الفرنسي بدا جليًّا في أكثر من مناسبة، بحيث رفضت فرنسا ربط الدعم المادي للبنان بأبعاد سياسية تتصل بالصراعات الإقليمية ودور “حزب الله” المتنامي،
وحصرته بتنفيذ إصلاحات لمعالجة أسباب الأزمة، مثل الفساد وسوء الإدارة.
جسّد موقفها أكثر من مسؤول فرنسي ومنهم وزير المالية برونو لومير الذي قال خلال اجتماع لمسؤولي المالية من مجموعة العشرين قبل حوالي أربعة أشهر “فرنسا مستعدة دائما لمساعدة لبنان،
هكذا كان الحال دائما في الماضي وسيكون هذا هو الحال في المستقبل”،
وتكررت المواقف الفرنسية في بيانات صادرة عن الخارجية الفرنسية، حضّت حكومة لبنان على تنفيذ الإصلاحات لترجمة مفاعيل مؤتمر “سيدر” .
في المقابل الولايات المتحدة كما الدول الخليجية التي ساعدت لبنان طيلة الفترات السابقة، تعاملت مع الازمة ولا تزال،
على قاعدة أنّ أيّ دعم للإقتصاد اللبناني، يتوقف على تنفيذ لبنان سياسة النأي بالنفس والابتعاد عن منطق المحاور.
ولكن فرنسا التي تراقب أداء السلطة في لبنان، شأنها شأن باقي الدول المانحة، أصيبت بخيبة أمل جرّاء سياسات الحكومة الحالية التي انشغلت عن الإصلاح بالتلهي بالمناكفات،
وقامت بخطوات عكسية في ملفات، اشترط المجتمع الدولي بدء عملية الإصلاح بها، كملف الكهرباء الذي يستنزف الخزينة اللبنانية. ولكن الحكومة تجاهلت ذلك، ولم تقم بتعيين الهيئات الناظمة، وذهبت باتجاه المزيد من الهدر في هذا الملف، بتبنّيها إنشاء معمل سلعاتا.
وفي قراءة للموقف الفرنسي المستجد، أشار الدكتور محي الدين الشحيمي وهو أستاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا، في اتصال مع “لبنان 24″، إلى أنّ تطورات دولية بارزة سُجّلت في الأيام الماضية وخاصة ضمن مجموعة الدول المانحة،
بموجبها بدأ لبنان يفقد التمايز الفرنسي التاريخي لصالحه، ومن شأن ذلك أن يُدخل مؤتمر سيدر في حالة الموت السريري.
الشحيمي مفنّدًا الموقف الفرنسي، لفت إلى أنّ فرنسا ومنذ البداية، وضعت موقفها في إطار لا يشبه مواقف دول أخرى ضمن المجموعة الدولية وحتّى الأوروبية. فعلى سبيل المثال موقف كل من البريطانيين والألمان ودول خليجية كان قريبًا إلى الموقف الأميركي،
في حين أنّ فرنسا دفعت باتجاه تحييد لبنان عن الأزمات الإقليمية. “ولكن خلال الأسبوعين الأخيرين حصل تبدّل في المزاج الفرنسي حيال التعامل مع أزمة لبنان، وأصبحت فرنسا متناغمة أكثر مع موقف المجتمع الدولي، وهو ما سمعته من أوساط دبلوماسية فرنسية”.
عن أساب هذا التحوّل في الموقف الفرنسي، أوضح شحيمي أنّ فرنسا محبطة من أداء السلطة السياسية في لبنان،
وأشار الشحيمي إلى أنّ فرنسا ممتعضة كذلك من أداء الحكومة اللبنانية في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، بما يعكس عشوائية وعدم جدّية في التعاطي مع هذا الملف،
الشحيمي لفت إلى أنّ المسؤول عن تبدّل الموقف الفرنسي هو لبنان نفسه، متحدثًا عن ثلاث مراحل دفعت فرنسا إلى التخلّي عن ليونتها. “المرحلة الأولى تمثلت في عدم تجاوب لبنان مع شروط المجتمع الدولي المانح في الشق الإصلاحي،
مفاوضات صندوق النقد ليست أفضل حالًا، وها نحن نفقد فرص النجاة الواحدة تلو الأخرى، ونسارع الخطى نحو الهاوية، فيما السلطة السياسية من رأس الهرم مرورًا بكل المؤسسات الدستورية في موقع المتفرج، تستفيق برهة لترشق بعضها البعض ببيانات الحقد والنكايات. ولم يكن ينقصنا، ليكتمل مصيرنا السوداوي، سوى مجموعة وزراء يعيشون على كوكب آخر، ولا يملكون أدنى مقومات الكفاءة المطلوبة للتعامل مع الأزمات.