كتب جوني منير في “الجمهورية”: كما العادة يكتفي العرب بتعداد الايام المتبقية حتى 1 تموز موعد ضَم أجزاء الضفة الغربية الى السيادة الاسرائيلية، فيما الحكومات الاسرائيلية تنفذ تغييرات واسعة في الخريطة الجغرافية والسياسية.
ووسط الانشغال بالجدل حول الخطوة وما اذا كان بنيامين نتنياهو سينفذها ام لا، جاء كلام رئيس اركان الجيش الاسرائيلي افيف كوخافي ليحمل الحقيقة في مضمونه. ذلك أنّ الحقيقة تكمن دائماً مع العسكر كونهم المعنيون بالارض، فيما السياسيون يلجأون للخداع والمناورات بأساليب ديبلوماسية.
كوخافي قال حرفياً خلال إشرافه على مناورات جرت قرب جنوب سوريا ولبنان: “هذه التدريبات موجّهة في شكل طبيعي الى جبهة القتال المركزية أي “حزب الله” في الشمال و”حماس” في قطاع غزة. ولكنكم قد تجدون أنفسكم بعد اسابيع عدة في الضفة الغربية بسبب إخلال بالنظام وعمليات ارهابية، ويمكن ان يتطور الشغب في يهودا والسامرة الى قتال في قطاع غزة”.
ففي آخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية أنّ 88 % من الفلسطينيين يرفضون خطة ترامب للسلام، والأهم أنّ 52 % يؤيدون عودة الكفاح المسلح رداً على الضَم في مقابل 42 %.
السفير الاميركي السابق دينيس روس، والذي كان قد عمل على الملف الاسرائيلي – الفلسطيني، روى في مقالة له في “واشنطن بوست” ما جعله يقتنع بأنّ نتنياهو سينفذ خطوته لا محالة.
وكتب روس انه وبينما كان جالساً في ساعة متأخرة في إحدى الليالي مع نتنياهو على طاولة المفاوضات المتعلقة بما سيُعرف لاحقاً بـ”بروتوكول الخليل”، قال رئيس الحكومة الاسرائيلية: “سأقوم بما فعله بن غوريون”.
ويقول روس انه فوجئ بالكلام لأنه كان يعلم أنّ نتنياهو هو تلميذ الحركة التصحيحية وهي العدوّة اللدودة لديفيد بن غوريون. لذلك قال روس: “أنت تقصد مناحيم بيغن؟”، فرد نتنياهو قائلاً: “كلا، لا أقصد بيغن بل بن غوريون. فهو من قام بالانجازات المهمة”.
وتابع دينيس روس: “وبينما كنت أسعى جاهداً لأفهم لماذا يبدو نتنياهو مصمماً جداً على المضي قدماً في ضَم أراضي الضفة، بدأت أستعيد مجدداً تلك المحادثة. فنتنياهو رجل سياسي اسرائيلي لا يقيّده شيء، غير أنه كان يتجنّب المخاطر طوال فترة تولّيه رئاسة الحكومة عندما يتعلق الأمر بالامن القومي”. إنتهى كلام روس.
في الواقع إنّ بن غوريون كان قد أعلن عن قيام دولة اسرائيل على رغم من المعارضة الاميركية المتوقعة. وهنا يرى نتنياهو فرصة تاريخية يجب اقتناصها. وهو لا يرى مخاطرة تذكر. ويشجّعه على ذلك الصمت العربي الذي أعقب نقل السفارة الاميركية والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل،
ففي آخر استطلاعات الرأي توسّع الفارق لصالح المرشح الديموقراطي الرافض للضَم. وأظهرت النتائج انّ 56 % سيقترعون لبايدن في مقابل 44 % لترامب.
كما يراهن نتنياهو على اعتراض شكلي للرئيس الفلسطيني محمود عباس وعدم ذهابه في اتجاه وقف التعاون الامني مع اجهزة الامن الاسرائيلية، كونه، في رأي نتنياهو، يوفّر لعباس وللقيادة الفلسطينية الحماية من حركة ««حماس».
يبقى موقف مصر والاردن هو المُهمين كونهما يمسكان بجزء اساسي من الفلسطينيين. نتنياهو يدرك جيداً أنّ مصر مشغولة بالتطورات المتسارعة في ليبيا اكثر بكثير من الوضع الفلسطيني، ويدرك ايضاً أنّ هنالك تنسيقاً كاملاً وعميقاً بين الرئيس المصري والملك الاردني، وركيزته المصالح القومية والامنية لمصر والاردن، حتى ولو جاء ذلك على حساب المصالح الفلسطينية. ولفت ما أوردته صحيفة «اسرائيل هيوم» الأوسع انتشاراً في اسرائيل كونها توزّع مجاناً، والتي يموّلها الثري الاميركي – اليهودي اليميني المتطرف شيلدون ادلسون وهو القريب من نتنياهو. أوردت الصحيفة انّ المصريين نجحوا في إقناع الاردنيين بالاكتفاء بتنديد إعلامي فقط من دون خطوات عملية، مثل المسّ باتفاقية السلام مع اسرائيل.
هذا مع العلم انّ الاردن الذي يخشى سيناريو تحرّك الشارع الاردني من أصول فلسطينية والذهاب في نهاية الامر الى تقسيمه، فإنه حذّر من أنّ خطة الضَم ستعزز قوة المتطرفين وستستفيد ««حماس».
لكن ماذا لو كانت حسابات نتنياهو خاطئة كما حذّره دينيس روس؟