حتى الساعة لا يزال موعد إنعقاد “اللقاء الوطني”، الذي دعا إليه رئيس الجمهورية في 25 الجاري ضبابيًا، لأن الأفرقاء الأساسيين، الذين هم خارج السلطة راهنًا لم يحسموا أمرهم بالنسبة إلى المشاركة فيه،
خصوصًا إذا بقيت أهدافه ومراميه مبهمة وغير واضحة، إذ يعتبر هؤلاء، وفي مقدمهم رؤساء الحكومات السابقون،
أن البلاد ليست في حاجة في هذا الظرف العصيب إلى لقاء فولكلوري لا ينتج عنه ما يفيد وما يشكّل مخرجًا عمليًا للأزمة العالقة في عنق زجاجة العواصف.
الرأي السائد أن أي حلّ في ظل هذه الحكومة الحالية لن يكون مؤثرًّا، ولن يأتي بالتالي بالنتائج المرجوة، لأن المكتوب يُقرأ من عنوانه العريض.
فلو كانت هذه الحكومة على قدّ المسؤولية لكان عليها إتخاذ خطوات عملية في ورشة الإصلاح المطلوبة دوليًا، والتي هي حاجة ماسّة لبنانيًا.
أمّا وقد حفلت “إنجازاتها” بكثرة الكلام من دون أفعال فيكون “اللقاء الوطني” بمثابة صفر على الشمال يُضاف إلى مجموعة الأصفار التي نالتها “حكومة مواجهة التحديات” حتى الآن، وهي بذلك أثبتت أنها فاشلة، وأن ليس بمقدورها أن يكون الحلّ المتوافق عليه وطنيًا على يديها.
وفي رأي الكثيرين أن أمام رئيس الجمهورية فرصة تاريخية لتصويب البوصلة، خصوصًا إذا جاء ردّ الرؤساء السابقين سلبيًا،
وقد أوجد البطريرك الراعي في عظته أمس مخرجًا لائقًا لإنقاذ ما يجب إنقاذه، قبل فوات الآوان،
إذ دعاه إلى إرجاء اللقاء لفترة إعدادية ضرورية، “فيبقى الأساس فيها الذهاب إلى جوهر المشكلة وطرح الحل الحقيقي بعيدا من الحياء والتسويات والمساومات،
وإلى إصدار وثيقة وطنية تكون بمستوى الأحداث الخطيرة الراهنة، وثيقة ترسم خريطة طريق ثابتة تتضمن موقفا موحدا من القضايا التي أدت إلى الإنهيار السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي،
وإلى الانكشاف الأمني والعسكري، وثيقة تصّوب الخيارات والمسار،
وترشد الحوكمة، وتطلق الاصلاحات،
وتعيد لبنان إلى مكانه ومكانته، فيتصالح مع محيطه العربي ويستعيد ثقة العالم به”.
وحدّد الراعي الأسس التي تضمن حصول المشاركة في هذا اللقاء الوطني ونجاحه، بتأكيد “وحدة لبنان وحياده، وتحقيق اللامركزية الموسعة، وصيانة مرجعية الدولة الشرعية بمؤسساتها كافة، وبخاصة تلك الأمنية والعسكرية، والإقرار الفعلي بسلطة الدولة دون سواها على الأراضي اللبنانية كافة،
والتزام قرارات الشرعية الدولية، ومكافحة الفساد في كل مساحاته وأوكاره،
وحماية استقلالية القضاء وتحرره من أي تدخل أو نفوذ سياسي أو حزبي”، وبذلك يُنقَذ اللقاء ويكون له جدوى فاعلة، ويخرج من إطار العموميات،
شرط أن يحظى بقابلية التطبيق العملي، الأمر الذي يعيد البحث إلى المربع الأول، من حيث إعادة تكوين السلطة السياسية الجامعة، لأن الظرف الراهن يتطلب إشراك الجميع في عملية الإنقاذ، إذ أن “حكومة اللون الواحد” لا يمكنها أن تقدّم الحلول ما دامت تتهرّب من تحمّل مسؤولياتها وتلقي هذه المسؤولية على “الآخرين”.
فهل يأخذ الرئيس عون بنصيحة الراعي، الذي وضع النقاط على الحروف، ويبادر إلى إرجاء هذا اللقاء لـ”فترة إعدادية ضرورية”،
والإنكباب على وضع جدول أعمال له من وحي الكلام البطريركي؟
ساعات قليلة تفصل بين النجاح والفشل، وهي مرهونة بمدى قابلية التعاطي مع الأمور الجدّية بشيء من الإقرار بالواقع المأزوم.
المصدر: لبنان24