إلى حفل الإستخفاف بعقول اللبنانيين، تسابقت المكوّنات السياسية لحكومة الـ “تكنوقراط” باستثناء الرئيس نبيه بري،
لتصوير أنّ شخصًا اسمه رياض سلامة يقف وراء مؤامرة جنون سعر صرف الدولا، فإذا رحل، أُقيل أو استقال،
تعقّل الدولار واستقرّ وبتنا بألف خير، بفضل حكمة حكماء الحكومة.
فضلًا عن إيحاء شياطين السياسة أو ملائكة الحلول، أنّ هذا المخرج أو كبش الفداء، بات واجبًا وطنيًا وإلهيًّا ربما، تداعى أهل الحكم على عجل، ألغوا مواعيدهم، جلسوا يعصرون أفكارهم ويبتكرون الحلول لأجل حاضرنا ومستقبلنا، إلى أنّ وجدوها،
ولكن فقط اسمحوا لنا أيّها المنقذون الصالحون أن نسأل، هل حلّكم هذا سيعقلن الدولار؟
أم أنّنا أمام ترقيعة أو تنفيسة لن تدوم طويلًا قبل أن يتفلّت سعر الصرف من جديد؟
حلّ بألف مشكلة
البروفسور مارون خاطر أستاذ محاضر وباحث في الشؤون المالية والاقتصادية قرأ في مشهدية الخميس من تدهورٍ غير مبرر لسعر الصرف على أنّه نتيجة فشل نهج من يديرون اللعبة، مستشهدًا بمَثَلٍ فرنسي يقول إنّ من يزرع الريح يحصد العاصفة،
فكيف إذا كانت بعض الرياح قد زُرعت، فيما بعضها الآخر يهبُّ عبر الحدود؟
خاطر وفي حديث لـ”لبنان 24″ رأى أنّ محاولات تخفيض سعر الصرف فشلت، كونها ارتكزت إلى أوهام وتخيّلات مصمميها،
وأدَّت إلى تأجيج السوق السوداء. لاقتها المفاوضات المتعثرة مع صندوق النقد، والإنعكاسات السلبية جداً لاجتماع النصف ساعة في بعبدا،
سطر جديد في سجلِّ الفشل، كَمَن يبصق على غابةٍ تحترق”.
وأوضح خاطر أنّ الحاجة الشهرية للسوق تُقَدَّر حاليًّا بحوالي 300 مليون دولار،
“إن كان لبنان يملكها، كان الأحرى به دفع اليوروبوندز وتلافي التعثر وتداعياته، وبالتالي لن تستطيع حفنةٌ من الدولارات إطفاء حريق الغابة”.
تفاهم السراي ولد ميتًا
لماذا سقط الإتفاق، وهل سعر الصرف مرهون فقط بسوق الصرّافين؟
وفق مقاربة خاطر، “يعود التخفيض التدريجيّ لسعر الصرف إلى لقاء “النهاية السعيدة” للتوقيفات الذي عُقِد بين رئيس الحكومة حسَّان دياب والصرَّافين، الذين أعلنوا عن تطبيقٍ تجزيئي للتعميم الوسيط 553، وهنا تَكمُنُ المشكلة. فبالإضافة إلى كونِ التعاميم لا تطبّق بالتجزئة،
عبر التقيد بنَصّ التعميم ٥٥٣، الذي يطلب ملفاً كاملاً لكل عملية. إلا أن ما يَغفَلون عنه، أنّ التخفيض الاجرائي والمصطنع للطلب سيقابله ارتفاع جنوني للسعر في السوق السوداء. فالأسباب المسؤولة عن شِحّ الدولار تساهم في زيادة الطلب عليه”.
انطلاقًا من هذه المقاربة خلص خاطر إلى اعتبار أنّ تفاهم السراي لم يسقط فحسب، بل ولد مسخاً ميتاً، وأدَّى إلى ازدياد الطلب على الدولار، وشكّل عاملًا عضويًّا ساهم في زيادة سعر الصرف، إلى جانب العوامل الاخرى ذات الأبعاد المختلفة.
عن الدور المرتجى من المنصَّة الإلكترونية، رأى خاطر أنّها قد تتمكَّن من لعب دورٍ تنظيمي في إطار دعم المصرف المركزي للمواد الأولية الصناعية والغذائية، إلا أنّها لن تضطلع بأيّ دور في لجم سعر الصرف،
الأزمة مرتبطة بالداخل والخارج
جملة تعقيدات وممارسات أوصلتنا إلى ما نحن عليه، بنظر خاطر، “شكّلت البُنية التراكمية الصدئة للنظام السياسي القائم على المحاصصة والزبائنية والفساد المستشري سببًا أساسياً لتدهور الوضع، ثمّ تواطأت عدّة عوامل أدّت إلى شحٍّ كارثي في السيولة،
فأتاهم وأتانا قيصر، معجلاً عن قصد أو عن غير قصد، تاركاً للبنان السماء والبحر ورحمة الله”.
لا حلّ إلا بالإصلاح.
خاطر ليس متفائلًا بإمكان لجم تفلت سعر الصرف، لافتًا إلى أنّ “تداعيات الأزمة قوبلت بازدياد الطلب على الدولار المفقود،
لا أرى ما يحمي عملتنا واقتصادنا من تدهورٍ لا محدود.
فإن لم يأت التغيير المنشود فنلبس جميعاً قمصانا بيض وننسى الليالي السود، فسنذهب مع أحلامنا إلى جنات الأرض أو إلى جنات الخلود…
لذلك فلتنزل الحشود!”.