كتب منير الربيع في “المدن” تحت عنوان “بكركي والمختارة لتجديد “الصيغة”.. وبرّي يفتح الطريق للحريري”: “أرخى جو التوتر في وسط بيروت، وبين بربور والطريق الجديدة، والشياح وعين الرمانة، جواً مذهبياً محتقناً وتوتراً أمنياً استفاقت معه شياطين خوف الطوائف وما يستتبعه.
بكركي- المختارة
حصل ذلك بعد مؤشرات إلى معارك الطوائف حول الصيغة السياسية، والصراع على مناطق جغرافية. وطرح الفيدرالية أو اللامركزية الموسعة، قابله ردّ من المفتي أحمد قبلان بإسقاط الصيغة، تزامناً مع إشكالات في بلدة لاسا.
وما جرى في الأيام الماضية، تتويجاً لكل هذا التشنج الذي أصبح لا بد من لجمه. فسقوط الصيغة في هذه المرحلة، آثاره هائلة على لبنان وعلى القوى السياسية المختلفة.
لذا، صار لا بد من أن تستعيد القوى التقليدية دورها. أما مركزية هذه القوى التقليدية والتاريخية في لبنان، فهي بكركي والمختارة. وتلك عودة إلى أزمان كثيرة مرّت، يتحرك فيها جبل لبنان الجنوبي وجبل لبنان الشمالي للعودة إلى الوحدة ومجانبة الخطر.
تحركت بكركي باتجاه رفض الكلام عن تغيير الصيغة وإسقاطها أو تعديلها، فدعت إلى تطبيق الدستور وتحصينه، إضافة إلى فتح القنوات السياسية لإرساء تهدئة مذهبية وطائفية وجغرافية، عبر عقد لقاءات للمصالحة. وتحرّكت المختارة على خطّ سياسي مقابل، فكانت حركة وليد جنبلاط التي بدأت باكراً في لقائه مع رئيس الجمهورية، واستكملها مع الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، وربما ستتوسع في الأيام المقبلة لتشمل كل القوى السياسية.
تعويم الحريري
ثمة صورة ثابتة في عقول اللبنانيين: عندما يتحرك وليد جنبلاط سياسياً، لا بد من رصد تحركه لاستشراف الوجهة التي تذهب إليها الأمور. وتلك الصورة ظهرت واضحة في تحركه باتجاه عين التينة، قبل وقت قصير من استقباله سعد الحريري في كليمنصو.
وكثرت التحليلات حول ما تنطوي عليه حركة جنبلاط. وطرحت أسئلة كثيرة حول موعد سقوط الحكومة، وعودة الحريري إلى الرئاسة الثالثة. فالجميع بحاجة إليه، خصوصاً بعد هذا التوتر المذهبي الذي شهدته مناطق متفرقة. وعلى قاعدة أنه لا بد من تمرير هذه المرحلة الحرجة بوجود الحريري بما يمثله. وطالما أن الطرف الشيعي الأقوى ممثل في السلطة، والطرف المسيحي الأقوى هو من طبق هذه القاعدة، لا يمكن استثناء السنّة منها.
حكومة السقوط
لا يبدو جنبلاط مهتماً بكل هذه التفاصيل. هو يؤكد دوماً تفكيره بما هو أكبر وأخطر من ذلك. وهذا ما أكده بعد لقائه برّي حول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، للحصول على مساعدات. فمن دونها سينهار لبنان، والناس تبحث عن طعام ولا بد من مواجهة المجاعة. يترافق هذا التفكير، مع فكرة أساسية: إرساء الأمن ومنع الفوضى، كما حصل يوم السبت في بيروت.
لا حاجة لمواجهة الحكومة أو إسقاطها، فهي تُسقط نفسها بنفسها، ومكوناتها تسدد إليها الضربات القاتلة. فلا داعي لمقاتلتها ولا وقت لذلك.
اللقاء بين برّي وجنبلاط تركز حول لجم أي توتر مذهبي. خصوصاً أن مشهد السبت كاد يفجر الوضع في لبنان. والحاجة إلى لملمة هذه الفوضى، تشكل دفعاً جديداً للقوى السياسية على اختلافاتها، فيما تغيَّر مسار التحركات التي شهدها لبنان في 17 تشرين. وهذا يفيد القوى السياسية أيضاً. لأن الثورة تفقد زخمها، والناس تنكفئ عنها بعد التضارب في الطروحات والأهداف والشعارات.
ومنع تفشي الفوضى المذهبية، يحتّم التنسيق مع السنّة الذين يجدون أنفسهم محبطين. ولذلك لا بد من التواصل مع الحريري، وتعزيز العلاقة معه في هذه المرحلة، بعيداً عن البحث في تغيير الحكومة، التي قد تسقط بحكم التطورات والأوضاع الراهنة. لكن الأهم هو تحضير بديل، وخصوصاً أن تجربة الحكومة الحالية أثبتت ندم كل القوى، بما فيهم من تحمسوا لها في البداية.
لملمة السُّنّة
كان اللقاء بين برّي وجنبلاط حول وجوب دعم الحريري ومساندته. وهذا ما تركزت عليه مباحثات كليمنصور بين رئيس الاشتراكي ورئيس المستقبل، الذي أكد أنه في طور اتخاذ قرارات جذرية وإصلاحية، لإعادة ترتيب بيته الداخلي، وسد منافذ التشتت، في ظل ما يجري على الساحة السنّية من أخطار تسهم في مفاقمة تفتيتها.
وأشار الحريري إلى أن همّه الأساسي يتركز على إعادة شد أواصر تياره، ومراجعة المرحلة السابقة بصوابها وأخطائها، واستعادة زمام الأمور مع وزراء ونواب سابقين ابتعدوا في مرحلة سابقة”.