لقد سقط القناع يا دولة الرئيس، واتّضح للقاصي والداني، للكبير والصغير والأطفال المقمّطين في السرير كما يقول المثل اللبنانيّ، أنّ حكومتك الموقّرة ليست قادرةً على حكم البلد، ليس لأنّها تخلو من الأذكياء، بل لأنّ الحرب الأهليّة اللبنانيّة لم تنتهِ بعد. والحرب الأهليّة تتّصف بأنّ الأحزاب أقوى من الدولة وهي التي تحكم.
الموضوع ليس موضوع إنجازات، علماً بأنّ الكلّ يدرك أنّ الإنجازات التي نسبتها إلى حكومتك مجرّد ترّهات. فحتّى الآن لم تستطع هذه الحكومة الإمساك بملفّ فساد واحد. ولقد اضطررتم إلى التراجع عن قرار للحكومة مأخوذ بالتصويت في موضوع الكهرباء. يضاف إلى ذلك أنّ الحملة على حاكم مصرف لبنان كانت مجرّد هوبرة. في دولة تحترم ذاتها مع وزراء يحترمون ذواتهم، هذه الأمور كفيلة بإسقاط أيّ حكومة فوراً، وهو ما لم يحصل طبعاً.
ولكنّ القضيّة اليوم ليست هنا. القضيّة أنّ فائض القوّة لدى الأحزاب التي في السلطة والتي خارجها قد حوّلك إلى حاكم لا يحكم، حاكم مهان ومذلول ومدعوس. وهذا كلّه ينشئ آليّةً سيكولوجيّةً يلمّ بها كلّ الذين اطّلعوا على شيء من التحليل النفسيّ وقرأوا بعض الأعمال الأدبيّة. فحين يتمرجل علينا من هم أعلى منّا، نتمرجل على الذين هم أدنى منّا. وحين يسحقنا الذين هم أقوى منّا، نجنح إلى سحق من هم أضعف منّا. اليوم، التركيبة التي تحكم البلد أثبتت أنّها أقوى من حكومتك، وأنّها تريد أن تستخدم هذه الحكومة واجهةً لخداع الناس والمجتمع الدوليّ. أنتم لا تستطيعون أن تتمرجلوا عليها، فتتمرجلون على الناس. تتمرجلون على ثورتهم بتمديد التعبئة العامّة، وتتمرجلون على ذلّهم بجملة من الموانع التي زيّنت لك نفسك أنّك تستطيع فرضها عليهم قبل أن يذهبوا إلى التظاهر، منصّباً نفسك مسؤولاً عن سلوك الشعب كما نصّبتَ حكومتك في الأمس حكومةُ مولودةً من رحم ثورة الشعب. ولعلّ هذه هي الوسيلة الوحيدة المتبقّية لك كي تثبت لنفسك وأمام عيني نفسك كلّ مساء قبل الخلود إلى النوم أنّك حاكم، علماُ بأنّك تدرك في قرارة نفسك أنّك مجرّد رئيس حكومة، رئيس حكومة لا يحكم.
ولكنّك تنسى يا دولة الرئيس أنّك أصبحت موظّفاً لدى الشعب اللبنانيّ منذ غادرت الجامعة الأميركيّة. هذا الشعب هو مرجعك ومرجعيّتك حين تضيق بك السبل. وهذا الشعب هو ملاذك حين يسحقك الناهبون والفاسدون وأصحاب البازارات السياسيّة. مسؤوليّتك اليوم هي أن تخرج إلى هذا الشعب، أن تتخلّى عن لغتك الخشبيّة التي لا تقول شيئاً وأن تصارحه، أن تسمّي الأشياء بأسمائها كما يجب للأشياء أن تتسمّى، أن تكشف هويّات اللصوص الذين ما زالت ألاعيب أهل السياسة تحول دون فضح هويّاتهم. تقول كلّ هذا، ثمّ تستقيل لهذا الشعب وترحل.
وحين تقوم بهذا، ستسجّل إنجازك الأخير، أو ربّما إنجازك الأوّل…
المصدر: المدن – أسعد قطّان