أشهر قليلة، ولن يبقى بإمكان المواطن شراء حتّى ربطة خبز. فبالرّغم من حروبهم النّاريّة على بعضهم البعض، أمر واحد اتّفق عليه سيّاسيّو لبنان بالاجماع، وهو تحرير سعر الصرف الرّسمي للدّولار، اذ أنّه من المستحيل أن يبقى 1500 ليرة، فهناك عدّة آراء، منهم من يحبّذ سعر ال 3200، ومنهم ال 4000 ليرة، والبعض الاخر يفضّل ترك الامر للسّوق السوداء والعرض والطّلب، ودعم البنك الدّولي.
لنكن متفائلين ونعتبر أنّ السّعر الرّسمي هو 3200 ليرة، هذا يعني أنّ صفيحة البنزين الّتى هي ب 17 دولاراً الآن أيّ 25000 ليرة ستصبح ب 54000 ليرة، وربطة الخبز ستصل الى 3000 ليرة، ذلك لانّ لبنان يستورد جميع مشتقّاته النّفطيّة من بنزين ومازوت من الخارج، كذلك المواد الاوّليّة لصناعة الخبز كالطّحين مثلا.
هذا بالنّسبة للخبز والبنزين، أمّا بالنّسبة للكهرباء، فعلينا أن نعتاد على ضوء القنديل من جديد، لانّه لن يكون هناك مولّدات تعمل بسبب انعدام المازوت كليّاً، بينما يتزايد الطّلب على الاستهلاك بنسبة كبيرة، وعدم قدرة أصحاب المولّدات على شرائه، ان بالّليرة اللبنانيّة أو بالدولار، علما أنّه أكثر من 10 مولّدات في كسروان من أصل 350 توقّفت عن العمل والعدد مرشّح للتّزايد.
أمّا في ما يخصّ المستشفيات، فمستشفياتنا الخاصّة لن تصمد طويلا، فقريباً جدّاً ستضطّر الى اغلاق أبوابها بوجه جميع المرضى قسراً، لانّها لم تعد تحتمل أعباء ارتفاع سعر الكلفة، خاصّة أنّ الدّولة حتّى الآن لم تدفع لها مستحقّاتها المتراكمة منذ سنوات كما وعدت، بما فيها المستحقّات المتوجّبة على الصّندوق الوطني للضّمان الاجتماعي، والصّناديق الصّحيّة الاخرى المدنية والعسكريّة، وبذلك سنشهد هجرة أطبّاء كثر الى بلدان أخرى، بحثاً عن لقمة عيشهم بسسب الاقفال أو عدم قدرة المستشفى على تسديد مستحقّات الاطباء. أمّا بالنّسبة لتجاهل صرخات أطبّاء الاسنان، فهذا سينتج عنه اقفال عياداتهم والتّوقّف عن العمل أيضا لأنّه لن يكون بمقدورهم التّحمّل أكثر ابتزاز الشّركات وأصحاب المستودعات لهم، من خلال احتكار السّلع بهدف بيعها لاحقا بأسعار عالية، والتّشرّط عليهم واجبارهم على الدّفع المسبق بالدّولار، أو بسعر الصّرف في السّوق السّوداء لشراء مستلزماتهم الطّبّية و بأسعار جنونيّة، وسط تجاهل تام من قبل الدّولة.
استعدّوا لنمط حياة جديد، بحيث تدخلون محلاّت المواد الغذائيّة، لتجدوا الرّفوف مليئة بماركات تركيّة رخيصة، لم نكن نسمع بها من قبل، أجل، انسوا البراندز، ودّعوا الاجبان المستوردة المعروفة، فهي لن تكون بمتناول الجميع، ودّعوا العطور الشّهيرة والملابس والاحذية المستوردة، حافظ على هاتفك لأنّ شراء آخر اذا فقد سيكلّفك ثلاثة أضعاف، أو راتبك لمدّة شهرين. ودّعوا السّيارات الجديدة، لأنّ غالبيّة وكالات السّيارات أصبحت عاجزة عن الاستيراد، وكما قال رئيس جمعيّة مستوردي السّيارات في لبنان وصاحب شركة “امبكس” السيّد سمير حمصي، انّ “الوضع بالويل ويمكن قريبا أن نركب على الحمير”.
أيّها الّلبنانيّون، استعدّوا لكلّ شىء. من سينقذ لبنان؟ البنك الدّولي؟ لا شيء حتّى الان يبشّر بالخير، فالوفد يعاني من عدم شفافيّة الحكومة اللّبنانيّة تجاهه، ومن والنّزاعات الدّاخليّة بين الاطراف السّياسيّة والاحزاب، بخصوص اغلاق الحدود، الّذي هو من أهمّ شروط البنك الدّولي لمساعدة لبنان. هذا بالاضافة الى ما تردد من أنّه اذا لم يتمّ تسليم كارلوس غصن الى السّلطات اليابانيّة، فسيرفض الصّندوق دعم لبنان، باعتبار أنّ اليابان هي من أبرز وأكبر المساهمين في الصّندوق، وهي تشترط مساعدة لبنان فقط في حال تمّ تسليم غصن الى الانتربول… وغيرها من الثّغرات والعثرات الّتى تحول دون موافقة البنك الدّولي على دعم لبنان.
للأسف هذا وضعنا في الوقت الحاضر، فنحن الآن ندفع فاتورة 30 سنة من السرقة والفساد. والأسوأ من ذالك، أنّ أحداً لم يُحاسب حتّى الآن، لا بل يطالبون، وبكلّ وقاحة، بالدّعم والمساعدة من دول الخارج، من دون حتّى مباشرة التّحقيق بالأموال الّتي اختفت، أو بمعنى آخر نهبت، فالّذي سيقدّمه الصّندوق الدّولي للبنان، لا يوازي 5 الى 10 بالمئة من هذه الاموال، الّتى لو استُرجِع جزء منها أو نصفها فقط، سيعود للبنان ازدهاره الذّهبي.
المصدر: ليبانون فايلز