حصلت حكومة الرئيس نيكولاس مادورو على جرعة من الانفراج مع قرب وصول ناقلات نفط إيرانية إلى فنزويلا التي تعاني من نقص حاد في الوقود، لكن ذلك يقحم كراكاس في متاهة العلاقات الخلافية القائمة بين إيران والولايات المتحدة منذ أكثر من أربعين عاماً.
وأفادت الصحافة المحلية أن أسطولاً مؤلفاً من خمس ناقلات نفط إيرانية سيصل إلى فنزويلا خلال الأيام المقبلة، حاملا في المجمل 1.5 مليون برميل من المحروقات بعد شُح شديد مستمر منذ أكثر من شهرين مع انهيار إنتاج البلاد النفطي وتوقف مصافيها عن العمل.
وأمس الإثنين وصلت الناقلة “فورتشن” إلى ميناء إل باليتو التابع لشركة النفط الحكومية “بي.دي.في.إس.إيه” والقريب من العاصمة، وذلك وفقا لمصدر في الشركة وبيانات “ريفينتيف إيكون” التي توضح مسارها.
ودخلت الناقلة الثانية “ذا فورست” الكاريبي يوم السبت. وتقوم الناقلات الثلاث المتبقية بعبور المحيط الأطلسي.
وقال مادورو في كلمة في التلفزيون الرسمي إنّ “كلا من فنزويلا وإيران تريد السلام ومن حقنا التجارة بحرية”. وقالت إدارة ترامب في وقت سابق من الشهر الجاري إنها تفكر في اتخاذ “إجراءات” ردا على هذه الشحنات دون أن تذكر شيئا محددا.
وتشدد واشنطن بشكل مطرد العقوبات على شركة النفط الفنزويلية في إطار محاولاتها لإسقاط مادورو.
وأضافة إلى الجانب الاقتصادي لهذا التطور الذي يمنح الرئيس الفنزويلي دعما سياسيا، يتابع المحللون التداعيات السياسية المتمثلة في تحدي إيران اتحذيرات الأمريكية من إمداد فنزويلا بالوقود.
ويقول المحلل خوسيه تورو هاردي، الرئيس السابق لشركة النفط الحكومية في فنزويلا، إيران “تتحدى” الولايات المتحدة بإرسالها السفن النفطية عبر المحيط الأطلسي، مضيفاً أنه إذا تمكنت ناقلات النفط من الرسو بدون عقبات على السواحل الفنزويلية “فيمكن أن يُفهم ذلك على أنه مؤشر ضعف” لإدارة الرئيس دونالد ترامب.
في الأيام الأخيرة، حذّرت إيران، حليفة نيكولاس مادورو، من “عواقب” في حال منعت الولايات المتحدة التي تنشر سفناً عسكرية في المنطقة، عملية تسليم المنتجات النفطية إلى فنزويلا.
وصرّح رئيس القيادة الأميركية الجنوبية في منقطة الكاريبي الأدميرال كريغ فالر أن واشنطن تتابع “بقلق” أعمال إيران المتعلقة بفنزويلا، من دون ذكر ناقلات النفط الإيرانية.
ويرى تورو هاردي أن في خضمّ المناوشات الكلامية، تجد فنزويلا نفسها “متورطة” في “مشكلة جيوسياسية”.
في الواقع، فإن حكومة مادورو تقف بحزم إلى جانب الجمهورية الإسلامية ضد “الامبراطورية” الأميركية التي تنتقدها بشكل مستمرّ. وكان مادورو أوّل من ندد بالضربة الأميركية التي أدت إلى اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في كانون الثاني الماضي في بغداد.
وترزح فنزويلا وإيران تحت عقوبات اقتصادية أميركية تضرب قطاع انتاج النفط في البلدين. وتقول الخبيرة في العلاقات الدولية جيوفانا دو ميشال أن إرسال السفن الإيرانية إلى فنزويلا قد يعرض البلدين “لمزيد من العقوبات”.
وتتابع أن في نظر الولايات المتحدة، فإن فنزويلا هي “دولة مارقة وفارّة” من وجه العدالة. وتؤكد إدارة الرئيس ترامب أن مادورو يستضيف خلايا من “حزب الله”، وأن أن وزير النفط الفنزويلي طارق العيسمي يقيم علاقات وثيقة مع الحزب، الأمر الذي تنفيه كراكاس.
ويضرب الحظر الأميركي على النفط الفنزويلي بقوة قطاعاً كان ينهار أصلاً. ولم تعد فنزويلا تنتج سوى 620 ألف برميل في اليوم مقابل ثلاثة ملايين برميل منذ عشر سنوات، وفق منظمة منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”.
ويرى المحلل لويس أوليفيروس أن المحروقات الإيرانية ستعطي “متنفسا” لمادورو “لمدة شهر”، لكنها “لن توجد حلا (للأزمة) الخطيرة جداً”.
وقبل الحجر الصحي الذي فُرض في منتصف آذار بسبب تفشي فيروس كورونا، كانت فنزويلا تستهلك بين 70 و80 ألف برميل يومياً، وفق تورو هاردي. لكن في الوقت الراهن تراجع العرض إلى خُمس الكمية المذكورة أعلاه، وفق أوليفيروس.
وبالتالي فإن فنزويلا عالقة في حلقة مفرغة. وبما أن خزائنها فارغة بسبب انهيار انتاجها النفطي، ليس لديها المال لاستيراد المحروقات. ومن دون محروقات، النشاط الاقتصادي متعثّر، بحسب ما قاله.
لكن جيوفانا دو ميشال توضح أنه في حال تمكنت إيران من تسليم المحروقات لفنزويلا بشكل مستدام، سيكون هناك وجهات جديدة لمنتجاتها النفطية الخاضعة للعقوبات الأميركية.
لكن السؤال المطروح هو كيف تدفع كراكاس ثمن المحروقات وخزائنها فارغة؟
لم تعلن الحكومة الفنزويلية أي شيء بهذا الشأن. لكن المعارض خوان غوايدو يتهم نيكولاس مادورو بشراء الوقود الإيراني بواسطة الذهب المستخرج بشكل غير شرعي من المناطق الغنية بالمعادن في جنوب البلاد. وهي اتهامات تدعمها واشنطن.
وتشير جيوفانا دو ميشال إلى أن إرسال السفن الإيرانية يشكل “بلبلة” بالنسبة لدونالد ترامب الذي يحتاج إلى تصويت الأميركيين من أصول كوبية وفنزويلية في ولاية فلوريدا، ومعظمهم ضد مادورو، لإعادة انتخابه رئيساً في تشرين الثاني.
ورغم ذلك، لا تتوقع المحللة تصعيداً عسكرياً. وختمت بالقول إن في خضمّ أزمة تفشي فيروس كورونا المستجدّ وقبل أقلّ من ستة أشهر من الانتخابات الرئاسية، “إنها اللحظة الأقلّ ملائمةً لتفتح واشنطن جبهة جديدة”.
المصدر: القدس العربي – وكالات