الموت بـ”كورونا” أم بالجوع؟

كتب راجح الخوري في “الشرق الأوسط”:

في 14 أيار الماضي، قرأ اللبنانيون خبراً من 12 كلمة فقط، لكنه يُظهر الفرق بين ما هو دولة مسؤولة وساهرة على شعبها ومستقبلها، وبين دولة منهوبة ومسروقة تنهار إلى قاع الإفلاس والفشل.
جاء الخبر في وقت كانت الحكومة اللبنانية غارقة في مباحثات، تبدو حتى الآن،
أقرب إلى حوار الطرشان،
مع وفد من صندوق النقد الدولي، الذي كان مرفوضاً بداية، لأن «حزب الله» الذي اعتبره من «مؤسسات الاستكبار الدولي»،
ثم صار مقبولاً تحت وطأة الإفلاس المؤكد، ولكن في حدود ما يصرّ على تسميته مجرد «تقديم المساعدة التقنية»!
الخبر المشار إليه عن قرار دولة الإمارات، يوضّح طبعاً كيف تتصرف الحكومات الواعية والمسؤولة،
وخصوصاً أنه جاء تحديداً من دولة الإمارات العربية،
التي أعلنت أنها في ظل المخاطر التي تواجه دورة الاقتصاد العالمي بالركود بسبب جائحة «كورونا»،
اتخذت قراراً بإعادة هيكلة الحكومة وحجمها، رغم أنه ليس خافياً على أحد، أن دولة الإمارات من أغنى دول العالم،
وتملك أكبر صندوق سيادي يبلغ حجمه 1000 مليار دولار،
هذا في وقت تستمر مساخر الحكومة اللبنانية المنهمكة في البحث عن خطة مقنعة، في مفاوضة المانحين الدوليين على أساسها، والبلد يتجه سريعاً إلى الإفلاس،
لكنها لم تتحدث أو تجرؤ على الحديث عن إعادة هيكلة الدولة، التي تقوم على النفعية الشعبوية،
معتمدة دائماً على الاستدانة من المصارف، والمذهل هنا أنها بدلاً من أن تخطط لتعيد هيكلة قطاعاتها المترهلة والنفعية،
تتجه إلى خطة لإعادة هيكلة المصارف والمصرف المركزي،
رغم أنه من الواضح تماماً أن القطاع العام، تحوّل بسبب الفساد والنهب المقونن وحشاً أكل القطاع الخاص، بما فيه طبعاً المصارف!
المعروف أن الدولة اللبنانية مفلسة منذ أعوام، وهي تقترض من أموال المودعين من أجل الإنفاق والإهدار وسدّ العجز،
وأن كل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 لم تنفّذ أي عملية إصلاحية حقيقية،
أو مجرد التفكير في ضبط وإعادة هيكلة للقطاع العام، رغم كل ما قيل دائماً من المزاعم عن الإصلاح ومحاربة الفساد.
حتى الآن عقدت الحكومة 5 جلسات للتفاوض مع صندوق النقد، لكن الاتجاه السلبي يزداد وضوحاً،
عندما يقول وليد جنبلاط قبل يومين مثلاً،
هناك في السلطة من يريدون تأميم المصارف ويأخذون لبنان إلى الصيغة التي كانت عليها سوريا مثلاً في الستينات،
محذراً مما يتخوّف منه الجميع تقريباً، من أن هناك ثورة جياع قادمة، فكيف ستواجه الدولة الوضع الاقتصادي،
وتقدّم خطة إصلاحية يقبل بها صندوق النقد الدولي؟
هذا سؤال الجميع تقريباً الذين يراقبون عمل وخطط حكومة اللون الواحد،
ليس فقط بسبب غياب أي خطة إصلاحية فعلية واضحة، يمكن توقف النهب وتتجه إلى عملية إصلاح حقيقي،
بل لأن الخبراء في صندوق النقد اضطروا قبل أسبوع إلى توسيع حلقة اتصالاتهم مع مسؤولين ماليين وسابقين،
وخبراء في قطاعات اقتصادية حساسة ومصرفيين من ذوي الخبرة،
وذلك بعدما وجدوا أنهم في مواجهة «تخبيص» يضعهم أمام 3 أرقام مقدّرة في سياق الخطة الاقتصادية هدراً وإنقاذاً،
وهي:
أرقام تقدمها وزارة المالية، التي سبق لوزيرها السابق علي الخليل أن قال إن الخزينة فارغة تماماً «على الحديدة»،
وأرقام تقدمها جمعية المصارف، التي طالما اعتمدت الدولة على ودائع الناس فيها للإنفاق،
وأرقام المصرف المركزي، الذي تولى تغطية إصدارات «اليورو بوندز» لتغطية ديون الدولة.
رغم هذا يتحدث المسؤولون عن إيجابيات يلمسونها في التفاوض مع الدوليين،
لكن هذا يبقى للاستهلاك المحلي، فماذا سيجري إذا قال هؤلاء إن الأبواب مقفلة،
وفي أي حال عندما يتحدث هؤلاء إفراطاً في التفاؤل عن إمكان الحصول على 15 مليار دولار من صندوق النقد،
يليها الحصول على 11 ملياراً من «أموال سيدر»،
ينسون أمرين؛ أولاً الردّ على سؤال الصندوق المبدئي؛

إذا قدمنا لكم المليارات فكيف ستردونها؟ ومتى؟ وعلى أي أساس وخطط إصلاحية؟

وثانياً الردّ على السؤال المزمن لمؤتمر سيدر؛

أين هي الإصلاحات التي نُفّذت لتحصلوا على المليارات المرصودة لكم؟

هل من أجوبة واضحة عند الجانب اللبناني، قطعاً ليس هناك من أجوبة،
ولن يكون ممكناً الحصول على أجوبة تفتح أبواب المليارات لسببين؛ أولاً كيف يمكن للذين صنعوا الإفلاس أن يصنعوا التعويم،

وخصوصاً أنهم مستمرون في عمليات النهب والسرقة؟

وثانياً، وهو الأهم والأدقّ، عندما تشترط الدول الكبرى التي تمسك بقرار صندوق النقد،
تنفيذ كل القرارات الدولية، وفي مقدماتها القرار 1701 الذي يدعو إلى نزع سلاح «حزب الله»،
كيف يمكن أن يستمر الحلم بالحصول على دعم الصندوق،
وخصوصاً في وقت يزداد فيه مضحكة الحديث عن «الخطة ب»، التي لن تغيّر هوية لبنان الاقتصادية والسياسية فحسب،
بل ستحاول إلحاقه بتيار سوريا – إيران، اعتماداً على فرضية ضاربة في الوهم،

وهي الرهان على البديل الصيني عن الأميركي الغربي؟!

كان من المضحك تماماً أن تقرع الدولة اللبنانية طبول ما سمّته يوماً تاريخياً عندما أعلنت «الخطة الإنقاذية» الاقتصادية،
وسط تصريحات صادمة من الرئيسين ميشال عون وحسن دياب،
التي دعت إلى تعاون جميع القوي السياسية والحزبية والفعاليات في البلد لإنجاح هذه الخطة،
بما يعني القول صراحة؛ لا محاربة للفاسدين،
وعفا الله عمّا مشى من النهب السياسي والسرقات والإهدار وإغراق البلاد في الانهيار والإفلاس،
وهو ما زاد من ذهول خبراء الصندوق الدولي الذين لا يجدون طريقاً لخروج لبنان من الأزمة غير الانخراط في عملية إصلاح حقيقي تعيد هيكلة الدولة.
كان هذا الأسبوع حافلاً بالفضائح، عندما انفجرت أولاً قصة «الفيول» المغشوش الذي دفع شركة سونتراك الجزائرية التي تصدّر هذه المادة للبنان منذ عام 2005، إلى التهديد بمقاضاة لبنان بعدما تبيّن أن هناك في لبنان من يقوم بعمليات الغش، وأن 5 من وزراء التيار العوني الذي يتمسكون بقطاع الكهرباء، الذي كلّف الدولة 60 في المائة من دينها العام، أي ما يقارب 54 مليار ليرة، لم يتنبهوا كما قيل إلى هذه العمليات.
النائب ياسين جابر كان قد أعلن قبل أيام «أن الملف الأكثر وقاحة وهدراً هو الكهرباء، والمشكلة أننا مستمرون بمخالفة القوانين… ومن الضروري تغيير المسؤولين الذي يتعاطون بقطاع الكهرباء، وأن وزارة الطاقة يجب ألا تدير شركة الكهرباء، فهي وزارة وصاية فقط»،
ولكن ذلك لا يعني شيئاً عندما يقف وزير،
يوم الثلاثاء الماضي، في جلسة وزارية جددت العقد من «سونتراك» ليقول بالحرف: «إذا كانت المخالفة مستمرة منذ 2005 إلى اليوم، فهذا يعني أن كل وزراء الطاقة الذين كانوا يجددون العقد هم مسؤولون مباشرة عن هذا الملف»،
ولكن رغم هذا تم تجديد العقد مع الشركة لمدة 3 أعوام، رغم أن الأمر مطروح أمام القضاء،
ويهدد الجزائريون بمقاضاة لبنان بعدما تبيّن أن غش «الفيول» يتم على أيدي اللبنانيين من أصحاب المنافع وأزلام السياسيين طبعاً.
خاتمة الأسبوع كانت أكثر فضيحة وعيباً عندما تبيّن أن المازوت والبنزين والطحين
، وهي مواد مدعومة من البنك المركزي، تهرّب إلى سوريا، وبكميات تتجاوز مليوني لتر في النهار،
وهكذا عندما دعا الرئيس عون مجلس الدفاع الأعلى لمعالجة فلتان الحدود والتهريب،
وأعلن المجلس أنه سيتشدد في العقوبات لمنع التهريب، لم يتردد اللأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في الإعلان أنه لو انتشر كل الجيش اللبناني على الحدود،
فلن يتوقف التهريب إلا من خلال التعاون والتفاهم مع النظام السوري!!
لا داعي إلى الحديث عن ذهول خبراء الصندوق الدولي من هذا، كان يكفيهم في اليوم الثاني تصريح الوزير محمد فنيش من «حزب الله»،
بأن على الجهات الدولية ألا تتجاهل حدود دورها في لبنان،
وألا تمس بسيادتنا وباستقرارنا، وتحت هذا السقف ندرس كيفية التعاطي «التقني» مع صندوق النقد الدولي!
مفهوم طبعاً،
فصندوق النقد ليس مستعجلاً لدعم لبنان، وفق شروط «حزب الله»،
ولهذا ليس كثيراً أن يتحدث جنبلاط عن ثورة الجوع المقبلة،
وقد وصلت نسبة العاطلين عن العمل إلى أكثر من 55 في المائة،
والصراخ الشعبي في الشارع؛ الموت بـ«كورونا» أشرف من الموت بالجوع… مفهوم!


عن Mohamad Jamous

شاهد أيضاً

أسعار المحروقات في لبنان، سعر البنزين اليوم في لبنان، سعر الديزل اليوم في لبنان، سعر الغاز اليوم في لبنان، سعر النفط في لبنان، أسعار الوقود في لبنان، التحديث اليومي لأسعار المحروقات في لبنان، سعر الوقود في لبنان اليوم، سعر البنزين في السوق السوداء في لبنان، سعر المحروقات في لبنان لحظة بلحظة، سعر لتر البنزين في لبنان، سعر لتر الديزل في لبنان، توقعات أسعار الوقود في لبنان، تحليل أسعار المحروقات في لبنان، سعر الغاز المسال في لبنان، سعر الكيروسين في لبنان، استقرار أسعار المحروقات في لبنان، أثر ارتفاع أسعار المحروقات في لبنان، تقلبات أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في محطات البنزين في لبنان، أسعار المحروقات في السوق اللبنانية، شراء الوقود في لبنان، تأثير أسعار الوقود على الحياة اليومية في لبنان، أخبار أسعار المحروقات في لبنان، أسعار الوقود في السوق اللبنانية اليوم، fuel prices in Lebanon، gasoline price today in Lebanon، diesel price today in Lebanon، gas price today in Lebanon، oil price in Lebanon، fuel cost in Lebanon، daily fuel price update in Lebanon، Lebanon fuel prices today، gasoline price in black market Lebanon، real-time fuel prices in Lebanon، price of gasoline per liter in Lebanon، price of diesel per liter in Lebanon، fuel price forecasts in Lebanon، fuel price analysis in Lebanon، LPG price in Lebanon، kerosene price in Lebanon، fuel price stability in Lebanon، impact of rising fuel prices in Lebanon، fuel price fluctuations in Lebanon، fuel prices at gas stations in Lebanon، fuel prices in the Lebanese market، buying fuel in Lebanon، impact of fuel prices on daily life in Lebanon، fuel price news in Lebanon، Lebanon fuel market prices today،أسعار المحروقات اليوم في لبنان, Fuel prices in Lebanon, سعر البنزين في لبنان, Gasoline price in Lebanon, سعر المازوت في لبنان, Diesel price in Lebanon, جدول أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel price update, سعر الغاز في لبنان, Gas price today in Lebanon, محطات الوقود في لبنان, Gas stations in Lebanon, توقعات أسعار المحروقات في لبنان, Lebanon fuel crisis, تأثير سعر الدولار على المحروقات في لبنان, Impact of dollar on fuel prices in Lebanon, أزمة الوقود في لبنان, Lebanon energy crisis, كلفة النقل في لبنان بسبب ارتفاع المحروقات, Rising fuel costs in Lebanon, كيفية توفير الوقود في لبنان, Saving fuel in Lebanon, السوق السوداء للمحروقات في لبنان, Lebanon black market fuel, استيراد المحروقات في لبنان, Fuel import in Lebanon, دعم الحكومة لأسعار المحروقات في لبنان, Fuel subsidies in Lebanon, ارتفاع أسعار الطاقة في لبنان, Oil price Lebanon, تأثير أزمة الطاقة على الاقتصاد اللبناني, Impact of energy crisis on Lebanese economy, كيفية ترشيد استهلاك المحروقات في لبنان, How to save fuel in Lebanon, أسعار الطاقة الشمسية في لبنان, Solar energy prices in Lebanon, محطات تعبئة الغاز في لبنان, Gas filling stations in Lebanon, توزيع المحروقات في لبنان, Fuel distribution in Lebanon, مواعيد صدور جدول أسعار المحروقات في لبنان, Fuel price schedule release dates in Lebanon, تأثير أزمة المحروقات على النقل العام في لبنان, Impact of fuel crisis on public transport in Lebanon, أسعار الوقود في بيروت, Fuel prices in Beirut, أزمة الكهرباء في لبنان, Electricity crisis in Lebanon, تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على حياة اللبنانيين, Impact of rising fuel prices on Lebanese citizens, شحن الوقود إلى لبنان, Fuel shipment to Lebanon, استهلاك البنزين في لبنان, Gasoline consumption in Lebanon, مصادر استيراد المحروقات في لبنان, Sources of fuel imports in Lebanon, تسعير المحروقات في لبنان, Fuel pricing in Lebanon, أسعار الوقود المدعوم في لبنان, Subsidized fuel prices in Lebanon, خطة الحكومة لدعم المحروقات في لبنان, Government plan for fuel subsidies in Lebanon, طوابير المحطات في لبنان, Gas station queues in Lebanon, نفاد الوقود في لبنان, Fuel shortages in Lebanon, الاعتماد على المولدات في لبنان بسبب نقص المحروقات, Dependence on generators in Lebanon due to fuel shortages

أسعار المحروقات اليوم ↑↓

أسعار المحروقات في لبنان اليوم أو اضغط هنا لرؤية التسعيرة المستجدة للمحروقات لحظة بلحظة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *