بإستثناء المؤتمر الصحافي لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيه،
والذي صعدّ فيه موقفه ضد رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل وتياره، وردود الفعل عليه، مع توقع ردّ نارّي من قبل الأخير اليوم،
فإن السياسة بمفهمومها المسطّح دخلت في مرحلة الكوما،
وهي اساسًا بدأت منذ نيل حكومة التكنوقراط الثقة، إذ لم نسمع موقفًا سياسيًا من أحد الوزراء، أو حتى من رئيس الحكومة حسّان دياب،
يعبرّون فيه عن رؤية واضحة للمستقبل، إذ غالبًا ما تقتصر مواقفهم، وبالأخص موقف دياب،
على ردود فعل على فعل، وهي في أغلبها شبيهة بالنعي وتحميل الآخرين مسؤولية تعثّر الحكومة،
التي لم تستطع حتى هذه الساعة إتخاذ قرار واحد خارج سياق جائحة الكورونا.
فالقررات الكبيرة تفرض أن يكون وراءها رجال قادرون على الإقدام والتعاطي مع القضايا المهمة والكبيرة بحزم ومن دون تردّد،
أو من دون إنتظار الإذن، سواء أكان من بعبدا أو من حارة حريك. وجل ما نسمعه هو مجرد صدى ليس إلاّ،
لأن مثل هكذا قرارات تفرض ممن يُفترض أن يكون مسؤولًا الا يختبىء وراء إصبعه، أو أن يتلطى وراء مواقف الآخرين،
الذين يصعبّون عليه المهمة، لأن سقف مواقفهم يكون عادة أعلى من سقفه، الذي يبقى محصورًا بما يُحدَّد له،
أو ما يُسمح به ضمن أطر اللعبة، التي على أساسها تم تأليف الحكومة على هذا النحو،
الذي ينسجم مع مواقف داعميها أو محركّيها.
من هنا يمكن الإستنتاج بأن المرحلة الحالية وما سيليها ستبقى محصورة بين مواقف تتراوح بين إطلالات الأمين العام لـ”حزب الله”السيد حسن نصرالله، وبين المواقف التي تعلن من حين إلى آخر في مطالع جلسات مجلس الوزراء،
مع ما يعبّر عن مواقف المعارضة المأزومة،
التي تقيس ما تعلنه بمقياس بعض المصالح المرتبطة بإستحقاقات قريبة أو بعيدة الآجال،
وهي تبني مواقفها على هذا الأساس وليس على أي أساس آخر يمكن التعويل عليه لرسم خارطة طريق لما سيكون عليه المشهد السياسي،
الذي تبقى تفاصيله مرتبطة بما يحدّد من مسارات خارجية تتلاقى مع بعض التعرجات الداخلية.
وتبقى بعض الزكزكات التي تُرصد بين الحين والآخر هي المتحكمة بالحياة السياسية اليومية،
التي تكاد تصبح رتيبة ومملة،
بحيث يأتي جواب السائل عمّا هو جديد في البلد بالقول إن القديم على قدمه.
وهذا ما يفسرّ إلى أي درجة من “المحل” السياسي وصلنا، والذي لم يشهد لبنان له مثيلًا،
وهذا مردّه أولًا إلى إنصباب الهمّ اليومي على مضاعفات جائحة كورونا،
وثانيًا إلى إنكفاء أقطاب المعارضة كالرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع،
ولكل منهم أسبابه الخاصة في المهادنة وبعض “المسايرة”،
في الوقت الذي نرى فيه الحكومة منهمكة في تمديد التعبئة العامة وإتغماسها أكثر فأكثر في مشاكلها الداخلية،
فيما تستحوذ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي على إهتمام الحكومة،
التي تقف عاجزة أمام ما يمكن أن يفرضه من شروط سبق لـ”حزب الله” أن وضع شروطه في المقابل.