حتى الآن، لا يمكنُ اعتبار توقيف مدير العمليّات النقدية في مصرف لبنان مازن حمدان،
سوى بداية لفضائح أكبر مرتبطة بالتلاعب بسعر صرف الدولار.
قد يكون حمدان رأسَ حربةٍ في عملية بيع وشراء العملة الصعبة من الصرّافين، لكن البحث يبقى دائماً عمّن يشغّله ولماذا انكشف أمرُه الآن، ولماذا كان هو وليس غيره.
في التحقيق الذي أجري بإشراف النيابة العامّة الماليّة، اعترف حمدان بما كان يقوم به،
إلا أنه لا يمكن لموظّف واحد في بنك مركزي أن يتلاعب بمصير بلد بأكمله،
ولا يمكن لمثل حمدان وحده أن يدير عمليات بيع وشراء الدولار والتفريط بالاحتياطي والتلاعب بقيمة العملة الوطنية، من دون أي تغطية.
فمن السذاجة تصديق ذلك. وإن كان ذلك قد حصل فعلاً، فإن حمدان يجب أن يدخل التاريخ من بابه العريض،
ليقال عنه أنه “تلاعب بأموال البلاد والعباد لفترة أشهر قد تمتدّ لسنوات”.
وفعلياً، ما يمكن قوله هو أن مدير العمليات الموقوف جاء “كبش المحرقة” في صفقة أكبر على حساب جميع اللبنانيين.
ماذا عن سعر الدولار؟
قد يظنّ البعضُ أن ما فرضه المسار القضائي سيُساهم بتنفيس سعر الدولار في السوق السوداء. إلا أنه في الحقيقة، فإن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي في طبيعة الأمر، والمشكلة اليوم تتعلّق بمدى قدرة لبنان على الصّمود.
واقعياً، فإن لعبة الدولار في السوق هي تجارية بامتياز، وما وراء ذلك هو فضيحة بالدرجة الأولى بحق الشعب اللبناني. وهنا، فإن الدليل على ذلك في ما أعلنه مصرف لبنان، اليوم، عن أنه “سيتابع ضخ الدولارات النقدية التي يستحوذ عليها عبر المصارف لتغطية الواردات مقابل سعر 3200 ليرة للدولار الأميركي”.
في الحقيقة، فإنّ هذا الإعلان يعيد الأضواء إلى مصير الإيداعات. فعبارة “عبر المصارف” تشير إلى أن الأموال الموجودة لدى الأخيرة ستدخل في لعبة السوق، ما يعني أنه سيتم إقحام ودائع الناس المتبقّية في مضاربة الأسعار،
وهنا الخطر الأكبر على صمود ما بقيَ منها. أما الأمر الثاني، فيرتبط بالسعر الذي حدّده المصرف من أجل الواردات (3200 ل.ل)، وهذا ما يقول عنه الخبراء أنه “دعمٌ حالي وآني وقصير الأجل،
والسعر هذا من المرجّح أن يتغير تباعاً وعلى الأكيد صعوداً”.
ولذلك، فإنّ قرار مصرف لبنان الأخير مرتبط إلى حد كبير بلعبة الدولار في السوق. وعلى أرض الواقع،
فإن البنك المركزي يعمد إلى تشكيل احتياطي خاص بالواردات،
ويجمّع الدولارات من مختلف المصادر لأنه لا يستطيع التدخل من الاحتياطي الخاص به، وإلا سيعلن إفلاسه في ساعات قليلة، باعتبار أنّ المخزون من العملات الصعبة متدهور.
ولذلك، فإنه من مصلحة مصرف لبنان أن يستحوذ على الدولار من السوق والمصارف بشكل متتابع لتمويل التغطية، ما يعني أن سعر الصرف سيظل خاضعاً للعبة القائمة والمستمرّة، والدولار إلى ارتفاع.
وإذاً، فإن البنك المركزي بات يعمل على أساسٍ يومي،
ومتى استطاع تحصيل الدولارات من خلال التحويلات الخارجية أو عبر القنوات الأخرى، فإنه سيعمد إلى دعم الواردات،
وهذا الامر قد لا يصمد طويلاً، خصوصاً إن طلب صندوق النقد الدولي وقف ذلك.
ولهذا، فإن الخطر الأكبر هو في الشروط التي قد تُفرض على مصرف لبنان للتوقف عن دعم البنزين والقمح والأدوية،
وهو الأمر الذي سيؤدي إلى انفلات أكبر في السوق. وهنا، على اللبنانيين أن يودّعوا سعر ربطة الخبز بـ1500 ل.ل،
وسيرون سعر صفيحة البنزين قد وصل إلى أسعار خيالية.
وما لا يمكن نسيانه هو أن الدولارات في لبنان تذهب إلى الخارج في وقت لا صناعة ولا انتاج.
فمن أين سنأتي بالدولارات للإستهلاك ولتغطية الواردات؟
ومن هي الجهة التي ستدفع لنا أموالاً كي نستهلك؟
على السياسيين أن يعرفوا أن الإستدانة هي لإطلاق عجلة الإنتاج،
وما كان يحصل خلال السنوات الماضية هي أن لبنان كان يستدين من أجل الإستهلاك،
كما أنّ جزءاً من تلك الأموال كان يتبخّر… ومن دون إصلاحات واقعيّة.. فإن الفقر سيطرق باب جميع اللبنانيين،
ولن نقول أننا قد نصبح “صومال” ثانية.