كتب علي نور في موقع “180post” الإلكتروني تقريراً بعنوان: “لبنان يفاوض صندوق النقد: بداية متعثرة”، جاء فيه:
“دخل لبنان يوم الإثنين الماضي مرحلة التفاوض المباشر مع صندوق النقد من خلال جلسة تمهيديّة،
تلتها جلسة عمليّة أولى (الأربعاء)، وبرغم الأجواء المتفائلة، يبدو أن لبنان دخل مرحلة التفاوض بنقطة ضعف كبيرة،
تتمثل في غياب التنسيق بين الأطراف الرسميّة اللبنانية المعنيّة؛
أوّلاً، من ناحية تحفّظ مصرف لبنان على خطّة الإصلاح الحكومي التي يُفترض أن تشكّل ورقة عمل الدولة اللبنانية كلها في مفاوضاتها مع الصندوق؛
وثانياً، من خلال عدم وجود إجماع سياسي داخلي على مقاربة الملف.
لم يحتج وفد صندوق النقد الدولي إلى أكثر من جلستين مع الوفد اللبناني، إحداهما تمهيديّة،
لإكتشاف التباين الكبير بين مقاربات ممثلي مصرف لبنان في الوفد، من جهة، ومقاربة باقي أعضاء الوفد، من جهة أخرى
. خلال الجلستين، عبّر ممثلو مصرف لبنان من دون مواربة عن إنتقادات مباشرة طالت خطة الإصلاح الحكومي
وتوجّهاتها وقراءتها للأزمة (وضعتها شركة “لازار”)،
وهو ما دفع ممثلي صندوق النقد الدولي إلى توجيه نصيحة قاسية لأعضاء الوفد اللبناني: “ربّما عليكم التواصل أكثر في ما بينكم،
قبل موعد الجلسات المقبلة”، كما يقول أحد أعضاء الوفد اللبناني المفاوض.
لا إنسجام مع المصرف المركزي
إذاً دخل لبنان المفاوضات بوفد غير منسجم بتاتاً، وهو ما يمكن إعتباره إنعكاس لأبرز نقطة ضعف تعاني منها البلاد بينما تخطو أولى خطواتها في مسار المفاوضات الشاقة مع “الصندوق”،
وهي إعتراض مصرف لبنان على نقاط جوهريّة في تشخيص وزارة الماليّة والحكومة للحسابات والأرقام المالية
وتصوّراتهما للحلول الممكنة. فحاكم مصرف لبنان ما زال يرفض بشكل قاطع القراءة
التي قدّمتها خطّة الإصلاح الحكومي للفجوة الكبيرة في ميزانيّات مصرف لبنان،
والناتجة عن خسائر متراكمة على مدى السنوات الماضية
. وهو يصرّ، حسب مقربين منه، على إعتبار هذه الفجوة مجرّد خسائر مدوّرة بالأرباح المستقبليّة،
أي خسائر تتراكم في الميزانيّات بإنتظار شطبها مستقبلاً بإستعمال الأرباح التي سيحققها المصرف المركزي في المستقبل،
وتعطي المصادر مثالاً على ذلك، مسألة الديون التي تعتبرها الخطة الحكومية (ضمناً “لازار”) هالكة،
وهي بقيمة تزيد عن 12 مليار دولار،
بينما هي ليست كذلك إذ أن معظم المقترضين يرهنون عقارات مقابل قروضهم،
علما أن النسبة الأكبر من هؤلاء المقترضين يشكلون نسبة 90 % من أصحاب الودائع فوق النصف مليون دولار في المصارف اللبنانية (يملكون حوالي 80 مليار دولار)،
أي لا يمكن تصنيف ديونهم هالكة.
ويعطي مصرف لبنان مثلاً ثانياً هو ما إعتبرته الخطة فجوة مالية،
وهي ديون المصرف المركزي على الدولة اللبنانية، وهذه وحدها لا تصنف كذلك وفق معايير معظم المصارف المركزية في العالم،
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن مصرف لبنان أقرض الحكومة خلال خمس سنوات (2014ـ 2019) حوالي 15 مليار دولار لتمويل حاجات الدولة اللبنانية.
يستشهد المصرف المركزي هنا بوجود 28 مصرفاً مركزياً حول العالم يستخدمون هذه الأساليب المحاسبيّة لتسجيل الخسائر في الميزانيّات،
ويستعمل هذه الحقيقة لدحض توصيف الخطّة لهذه الخسائر كفجوة ينبغي التعامل معها في سياق المعالجات الماليّة المقبلة. لكنّ هذه الحقيقة تتجاهل أنّ إستخدام بعض المصارف المركزية لهذه الأساليب المحاسبيّة عادةً ما يكون لفترة محدودة جدّاً،
وبمبالغ محدودة التأثير على سيولة المصارف المركزيّة وقدرتها على الوفاء بإلتزاماتها. أمّا في الحالة اللبنانيّة،
فقد بلغ حجم هذه الخسائر المتراكمة ما يقارب الـ42.8 مليار دولار أميركي،
وهو ما يفوق ضعفي حجم السيولة القابلة للإستعمال الموجودة بحوزته، وقد جرت مراكمة هذه الخسائر خلال فترة تتراوح بين 15 و20 سنة.
نقطة التحفّظ الثانية التي يعبّر عنها المصرف المركزي بخصوص توجّه الحكومة وخطّتها تتعلّق تحديداً بفكرة تحميل جزء من الخسائر لرساميل القطاع المصرفي، إذ يعتبر أن هذه الفكرة تنطوي على نسف للقطاع المصرفي بشكل كامل،
وتقويض لأية إمكانيّة لنهوض القطاع في المستقبل. لكنّ مصرف لبنان لم يقدم حتى الآن تصوراً واقعياً بديلاً لهذا الطرح،
خصوصاً أن فكرة إستخدام الأموال العامّة لإنقاذ قطاع مصرفي متعثّر ستطيح بإمكانيّة الحصول على أي دعم خارجي في المستقبل”