تحت عنوان ” الليرة في مهبّ التحرير” كتب خالد أبو شقرا في صحيفة “نداء الوطن”: “يقال ان “صندوق النقد الدولي” لا يدخل إلى أي بلدٍ من البلدان قبل تحرير سعر صرف عملته.
فالتدخل الحكومي في سوق القطع وتثبيت قيمة العملة مقابل الدولار الاميركي،
أو غيره من العملات القوية هو شكل من أشكال الدعم المرفوضة.
ذلك لانه يستنزف المالية العامة ويغطي عيوب الاقتصاد الفاشل. لبنان الذي تربع طوال عقدين ونيف من الزمن على عرش هذه التجربة يواجه اليوم الحقيقة المرة مع أحد أشرس الرافضين لها.
فهل سيكون سعر الصرف مدخلاً للحل أم سبباً للخلاف مع “الصندوق”؟
كثيرة هي المطبات التي ستعيق عملية التفاوض التي ستنطلق اليوم رسمياً بين الجانب اللبناني ووفد “صندوق النقد الدولي”،
ولعل أخطرها يتمثل في إشكالية معالجة سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي.
فالتحرير الفجائي قد يغرق البلد بليرة معدومة القيمة ويسبب كارثة اجتماعية واقتصادية.
أما الاستمرار في التثبيت فسيمتص فوائد الاقتراض الجديدة ويستنزف ما تبقى من احتياطي العملات الاجنبية في المركزي،
ويهدّد بفوضى التلاعب بالتسعير بعدما أصبح هناك أكثر من سبعة أسعار لسعر الصرف.
“حجم المشاكل الموجودة في لبنان لم يسبق له مثيل”، يعلق رئيس مجلس ادارة FFA Private Bank جان رياشي على جدلية تحرير أو دعم سعر الصرف، ليقول ان “سلبيات التحرير اليوم توازي ايجابياته. ومن الممكن ان تفشل أي خطة إن لم تدرس بكثير من الدقة والعناية”.
الإبقاء على سعر الصرف الرسمي المتمثل في 1507.5 له منفعتان: الاولى،
هي القدرة على استمرار استيراد ثلاث سلع رئيسية (النفط، القمح والدواء) على سعر منخفض.
ما يشكل دعماً غير مباشر للمواطنين، يساهم في تعزيز قدرتهم الشرائية.
الثانية، يساعد المقترضين من أفراد ومؤسسات على بقاء اقساطهم المقيّمة بالدولار للمصارف والشركات نفسها،
من دون أي زيادة. فإعادة تقييم القروض بالدولار على سعر الصرف الحر، أو حتى المحدد بـ 3500 في المرحلة الاولى،
كما اشارت الخطة الحكومية، سيكون تعجيزياً للمقترضين وأصحاب الدخول بالليرة اللبنانية وسيدفعهم الى التوقف حكماً عن سداد الأقساط وبالتالي زيادة نسب الديون المتعثرة في القطاع المصرفي.
ثالثاً، ان تحرير سعر الصرف سيجبر المصارف على دفع نحو 120 مليار دولار بالليرة على السعر الجديد من دون أي ضوابط،
وهو الامر الذي سيغرق البلد بالعملة اللبنانية ويؤدي الى موجة من التضخم وانهيار الليرة اللبنانية وفقدان القيمة الشرائية بشكل غير مسبوق ويترك تداعيات خطيرة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
وسيعود ويجبر المصارف على تقييد الودائع او تخفيض قيمتها عبر “haircut” .
في المقابل فان الاستمرار بتثبيت سعر الصرف ودعم السلع الاساسية، يسمح أولاً بزيادة تهريب السلع المدعومة الى سوريا،
وهذا ما نشهده بالمازوت والطحين حيث تفوق الكمية المهربة الـ 400 مليون دولار سنويا.
وعليه فإن جزءاً كبيراً من فوائد التثبيت سيذهب إلى من لا يحتاجه والى سوريا،
وذلك على حساب ومصلحة الطبقات الفقيرة والمحتاجة فعليا الى الدعم.
ثانياً، يؤدي التثبيت إلى خلق عدة أسعار لسعر الصرف ويسبب فوضى في التسعير وعمليات صرف العملة.
ثالثاً، ان غياب سعر صرف طبيعي في القطاع المصرفي عطّل كل العمليات التجارية التي تتم في المصارف، وأجبر التاجر والمستورد والصناعي على تأمين الدولار من السوق الثانوية من أجل تمويل حاجات الاستيراد.
رابعاً والأهم، ان التثبيت يستنزف ما تبقى من احتياطي عملات صعبة في مصرف لبنان،
والتي تقدر بحسب الجهات الدولية بحدود 5 مليارات دولار.
وعليه فان استمرار هذا التمويل سيعرّض ما تبقى من احتياطي بالدولار الى النفاد قريباً.
خامساً، يزيد تثبيت سعر الصرف تغييب آليات المعالجة الجدية التي من المفروض ان تقوم بها الحكومة.
التحرير التدريجي
انطلاقاً من الايجابيات والسلبيات المحيّرة، من المتوقع بحسب رياشي ان “يوافق صندوق النقد الدولي، الذي يدرس الملف بكثير من الدقة والعناية، على التحرير التدريجي لسعر الصرف.
ولا يستبعد ان تخصص بعض المساعدات في المرحلة الاولى لمصرف لبنان من اجل المساعدة في ادارة سعر الصرف”.
كما يمكن برأيه “رفع الدعم عن القمح والدواء والنفط وتخصيص المبالغ لدعم الفئات المحتاجة جدياً بشكل مباشر،
بدلاً من ان تذهب المبالغ لمن ليس بحاجة أو الى سوريا.
الابقاء على هذا التوازن يتطلب في المرحلة الاولى الابقاء على تدخل مصرف لبنان لمنع الانهيار من خلال تأمين الدولار الجديد،
الذي يدخل إلى البلد من التحويلات أو التصدير أو السياحة أو غيرها وينتهي احتياطاً صافياً في المركزي يسمح له بالتدخل لإدارة سعر الصرف.
توحيد سعر الصرف أولا ومن ثم التحرير بعد تذليل العقبات والمشاكل قد يكون الحل الأنسب برأي المتابعين للملف.