يَعيش رئيسُ الحكومة السابق سعد الحريري أزمةَ ثقةٍ في محيطه،
يحتاج فعلاً إلى مغذياتٍ تُرطّب جذوره السياسية وإلى أشخاص آخرين يثق بهم، لا ينقصُه “وجع رأس” اضافي حتّى تأتيه مسألة شقيقه الأكبر، فـ”يلي بسعد مكفيه”.
والحقّ هنا يقعُ عليه دون غيره،
فسياساته هي التي أدّت إلى اضمحلالِ وجوه الثقة من حوله وانصرافها إلى رزقها لصالح أفرادٍ “متملقين” لا يرون في رئيسهم إلّا كتلة مصالح تَسير أو “كيس مالٍ متحرك”.
الموظفون المصروفون من تلفزيون المستقبل يزيدون أمور “الشيخ سعد” تعقيداً،
والخشية لديه الآن، في ظل دخول “حريري آخر” إلى المشهد، أن تصبح تصفية الحسابات أكبر فيما لو أقدمَ الوافد الجديد على تعويضِ المصروفين من جيبهِ، حينها،
أين سيكون هؤلاء وماذا سيغدو موقفهم؟
في مقدورِ النائب السابق وليد جنبلاط إستلحاق الرئيس الحريري أو تهدئة روعه وتخفيف هواجسه،
لكن محال أن يستأصلَ الأسباب كلها. أجمل ما فعله جنبلاط أنه وقف إلى جانب “وريث رفيق الحريري” حافظاً مكانته حسب ما يرى مستقبليون.
يحفظ سعد الحريري جميلاً لوليد جنبلاط، حين أقدمَ مرة على طرد رجل الأعمال صافي كالو (مساعد بهاء)
من منزله رافضاً قبول صيغة إستبدال سعد الحريري ببهاء أو طعنه في الظهر زمن إعتقاله في السعودية.
قال بالأمس: “أنا لا أغدر سعد الحريري” واليوم يقول: “لا شريك أو بديل عن سعد الحريري”.
يعلم الجميع، أن عائلة الحريري الضيّقة ليست في وارد الغدر به أيضاً،
“عمّته” بهيّة التي سبق لها أن حاولت ترطيب الأجواء بين الشقيقَيْن سعد وبهاء قبل فترة ليست بالقصيرة،
أبلغت الأخير حينذاك عدم رضاها عن سلوكه أبداً، وعلى الأرجح أنها قطعت التواصل معه لاحقاً بعدما رأت منه ما رأت.
نادر وأحمد، وإن إبتعدا قليلاً عن المشهد وقيل بحقهما الكثير حول علاقتهما “الملتبسة” مع الرئيس الحريري،
من غير المرجّح أن يكونا في خانة البحث عن وريثٍ آخر.
الكل يذكر كيف تحول “نادر” إلى إنتحاري وخطّ أولى مشاهد مواجهة بهاء حين حولّ قصر والدته في مجدليون عام 2017 إلى غرفة عمليات هدفها دفع هجمات “بهاء” إلى خارج أسوار العائلة.
بالنسبة إلى وليد جنبلاط، ما دامت العائلة تُبايع سعد والشارع السني بالحدّ الأدنى يصطفُّ خلفه،
إذاً فلا معنى لدخول الآخرين، خاصة وأنه يرى أن هذا الدخول وفي هذا الظرف مشبوه،
فلا مظلة إقليمية ولا أخرى دولية تحميه أو تقيه حرارة الشمس.
صحيح أن زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وقبله السفير السعودي وليد البخاري إلى بيت الوسط
.كان لها أثر بالغ في رفع معنويات سعد الحريري، لكن الصحيح أيضاً أنها منفصلة عن الواقع،
واقع اللعبة السياسية الحالية، فلا وليد جنبلاط الآن يتعاضد مع سعد الحريري سياسياً،
ولا السفير السعودي ما زال يرى برئيس تيار المستقبل استثماراً سعودياً مفيداً.
لقد أتت زيارة السفير السعودي إلى بيت الوسط وبخلاف كل ما يُقال عنها،
إستناداً إلى واقع لبناني داخلي لا رؤية سعودية إستراتيجية،
فسعد الحريري وفق أكثر من مصدر لم يعد أولوية ثابتة لدى المملكة بالمعنى العميق لكنه “مقبول” في إدارة المرحلة،
فلم يعد سراً أن الرياض تميل صوب التعددية السياسية داخل البيئة السنية.
هذا لا يعني بالضرورة أن تكون موافقة على خيار بهاء أو أنها ضده، لكن دون أدنى شك لا يؤثر دخوله سلباً على نظرتها.
ثم إن ما يفصل بين البخاري والحريري أكثر مما يجمع، دعك من الكلام المعسول “الظرفي”،
فالقطيعة بين الرجلين تُعد علامة لافتة في علاقة رئيس حكومة لبنان وسفير سعودي فالمبادرة تجاهه منعدمة ما خلا زيارات الضرورة، حتى أن “الوساطة الاماراتية” لم تتمكن من إزالة الأحجار المتناثرة على درب الحريري نحو السعودية،
بل زادت الامور تعقيداً.
الزيارة إلى بيت الوسط محال أن يجري تلبيسها أكثر مما تحمل.
لم يقدّم البخاري وعوداً بالدخول على خطّ توفير التهدئة ولا هو قد تبرع في وضع القيادة السعودية بصورة ما يجري في بيت الوسط. ومن المؤكد أن الرئيس الحريري حمّله ما حمّله لكن هذا لا يعني ضمناً أن يصبح البخاري “رسولاً”.
بالنسبة إلى السعودية، الزمن الآن زمن ترقب وحذر، ولا تعني زيارة بيت الوسط إعادة لثقةٍ مضمحلة في ساكن البيت،
ولا صمتها عن “أفعال بهاء” تعني عودته إلى “دائرة الثقة” التي كانت قد منحته اياها سابقاً،
والعالمون بالدوائر السعودية، يؤكدون أن حضور بهاء إنحصرَ ضمن البلاط وبات الآن يحظى بتأييد نفر قليل من الأمراء.
لكن هذا لا يعني بالضرورة انه فقد التأييد السعودي الكامل، يُمكن القول أنه ما زال مادة تصلح للاستخدام حين يصلح ذلك،
لكن ليس الآن وقد وضع على الرف منذ سقوط “خطة الإنقلاب” عام 2017.
هناك تفاوت في الآراء السعودية حيال ما يجري على الساحة السنيّة اللبنانية،
ينعكس من خلال مواقف عدد من الصحف المحسوبة على البلاط ونتيجة حركة السفير “اللافتة” تجاه بيت الوسط،
يمكن القول الآن أن الرياض تقف في موضع المراقب وأكثر ما يهمها تركيز جهودها على مراقبة كيفية تسرّب “المصادر التركية” إلى البيئة السنية القاحلة.
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح