أمثاله كثر، وجوههم مرايا، وحقيقتهم مشرّعة على الفضيحة. كم من صدمة، لا تزال مستترة، لا نصدّق أنّ البشر يجرؤون على افتعالها. حدث ذلك مثلاً، في مشهد من “أولاد آدم”. مكسيم خليل في دور الإعلامي غسان، يضعضع الثقة الإنسانية بالآخر، ويعيد تعريف مفهوم العلاقات بين البشر. اتقان هائل لشخصية النذل المُحاضر بالعفّة، اللاهث خلف الصورة على حساب العمق، ودورها في تسطيح الرأي العام، الواثق دائماً بطمس الحقيقة. هنا إشكالية أعلام الميديا بما يُخبّؤون وما يُظهرون. الوجه ليس دائماً وجهاً واحداً، والابتسامة أحياناً صفراء وماكرة. الطلّة والشبوبية قد تنطلي على غايات قذرة، وحُسن الشكل قد يكون شمّاعة لبشاعة الداخل وسوء الروح. غسان، رجل الماسكات، تأكيد بأنّ “الآدمي” في خطر.
مستفزّ جداً؛ يتلف الأعصاب ويرفع الضغط. ليست الخيانة إشكالية جديدة في رمضان، فالمسلسلات تقاربها حدّ الاستهلاك والضجر. وقد لا يكون تنقّل رجل “وسيم”، صاحب نفوذ ومال، بين النساء، مادة درامية شيّقة، لكن السياق الإنساني لمشهدية الأمس، يضرب الوتر. نعلم أنّ العالم وجوه والناس بمئة لسان. لكن ماذا يريد رامي كوسا (الكاتب) والليث حجو (المخرج) من تفلُّت رجل على مراهقة في سنّ السادسة عشرة، وإغوائها من أجل نزوة؟ ربما القول إنّ ما نشاهده في العلن، ليس الحقيقة. الحقائق في الكواليس، لا على المسرح. وفي الغرف المغلقة، لا في الصالونات. والأهم، هي ليست على الشاشة ولا بين يديّ وجوهها. تقريباً من دون تعميم. يمسّ المسلسل (“أم تي في”) إشكالية النفاق الإعلامي من عمقها. يختار لذلك رجلاً من قماشة مكسيم خليل، يجرؤ على التنزّه في فم الوحش. المعالجة هنا بالنار؛ باستنهاض الأصوات الداخلية، وإعلاء شأن الرفض. فتشعر بأنك في الحريق، لمجرّد كونك ترتقي بالقيمة والأخلاق، وبأنّك معرّض لأن “تُلطَع” طالما تحمل في داخلك قلباً طيّباً ومشاعر حساسة، فهذا عالم الافتراس المطلق وموت الثقة والطمأنينة المعدومة.
برامج التلفزيون شيء والواقع شيء آخر. قالها الإعلامي “البطل” للمراهقة القاصر، بقسوة هذا النوع من الناس وبشاعتهم الإنسانية. ادّعى غسان مَدّ يد المساعدة، بعدما لم يهن عليه أن يدفع أهلٌ الابنة “الطفلة” للزواج المبكر. ظهر على الشاشة يحاضر بما يجوز وما لا يجوز، ممجداً حقّ القاصرات بالعلم والحلم. وحين أتت إليه شاكرةً، قادها وانقضّ عليها في سريره. صحيح أنّها لم تقاوم، لكنّها في سنّ مضطربة، لا النضج قد اكتمل ولا مفاهيم الصح والخطأ. مكسيم خليل بأكثر أدواره دهاء وحنكة. محترف في حضّك على كراهيته والنفور منه. “مقطّع موصّل”، من أبناء الخطايا غير الجائز غفرانها؛ فترجو الله ألا يضع أمثاله في دربك، وألا تخدعك الحياة به، كما تخدع زوجته (ماغي بو غصن بدور القاضية ديما؛ لنا عودة لأدائها)، فيتراءى نسمة، وهو في حقيقته تيّار يبتلع بلا رحمة.
القبح في كلّ مكان، فالقلّة اليوم طيّبة، وإن كان غسان اختزالاً للتجاوز في عالم الإعلام ونفاق ما يُسمّى بـ”الوسط”. مزعج ما شاهدناه، ربما لأنّه حقيقيّ، وربما لأننا نخاف من وساخة البشر، ونخشى وجوههم الكاذبة والتحايُل على القلوب الصادقة. نشاء أحياناً ألا نعلم بكل ما يجري، فندفن الرأس كالنعام في الرمل. لعلّ ذلك يترك في العمق شيئاً من الأمان، فلا نواجه الحياة بوجه مرتعد. كلّ شيء “هيِّن”، طالما غسان وأمثاله خارج أيامنا.
المصدر: النهار