لم ينجح “اللقاء الوطني” الفئوي في قصر بعبدا في ضخ الحياة بشرايين عهد يتشبث بالبقاء رغم كلّ مظاهر الانهيار في الجمهورية.
ولم يسبق أنْ فرغ كرسيّ رئاسة الجمهورية قبل انتهاء ولاية شاغله.
دعنا من استثناء بشارة الخوري، مع حفظ الألقاب،
الذي سأل قائد الجيش فؤاد شهاب في اليوم الثالث من الإضراب العام عام 1952 هل يستطيع فتح أسواق البلد واستقال فور سماعه جواباً سلبياً.
مضى زمن نبلاء السياسة اللبنانية،
لكن السؤال عمن يخلف الرئيس في السنة الرابعة من ولايته هو تقليدٌ مشروعٌ بصرف النظر عمّن يكون ساكن قصر بعبدا،
فكيف إذا كانت ثورة شعبية كثورة 17 تشرين وجّهت ضربة قاصمة إلى العهد على وقع الأناشيد.
لذلك فتحت السيرة: مَن هُم المرشحون المحتملون اليوم لخلافة ميشال عون؟
قبل أيام نشر وليد جنبلاط صورة تجمعه مع جان عبيد في منزله في كليمنصو
وتغريدة وصفت ضيفه بأنه “صديق كبير للمختارة ولكمال جنبلاط…”. منذ الثمانينيات عندما تقول جان عبيد يحضر لقب “المرشح لرئاسة الجمهورية”.
آخر من كتب عنه الوزير والسفير السعودي عبد العزيز خوجة في كتابه “التجربة” أن “جان عبيد من مثقفي لبنان البارزين ورجل دولة محنّك.
مرشح دائم للرئاسة، لبناني قبل أن يكون عربياً، وعربي قبل أن يكون مسيحياً.
وأقول بلا تردّد لو أصبح جان عبيد رئيساً، لكان ذلك من حسن حظ لبنان.
مشكلته هي غيرة زعماء الموارنة منه (…) لكن شعبيته للأسف لا تتجاوز النخب”.
قوة جان عبيد في علاقاته الخارجية، ليس مع المملكة ودول الخليج وحدها،
بل في علاقاته الداخلية أيضاً. لو عادت إلى نبيه بري وسعد الحريري وجنبلاط لما اختاروا غيره من زمان.
قد تكون مشكلته أنّ أصدقاءه في المملكة رحلوا أو باتوا في طور التقاعد، وأنّ السعودية تغيّرت.
تغيّرت كثيراً. ولكن من يدري؟ قد يصل “الإذن الإلهي” الذي يؤمن بأنه يرسم الأقدار على غير توقّع.
سليمان فرنجية يبقى في طليعة الأسماء.
هو أيضاً مقبول وسبق أن أيّده بري والحريري وجنبلاط واصطفاه البطريرك الماروني بين “المرشحين الأربعة الأقطاب”.
نقطة ضعفه أن الدول الغربية والعربية ستتعامل معه من منطلق اصطفافه السياسي،
تحديداً مع “حزب الله”. المطلوب عند هذه الدول رئيس غير الذي يختاره هذا الحزب.
إذا وصل فرنجية إلى قصر الرئاسة فسوف تستقبله العواصم،
ليس مؤكداً إذا كانت ستتعامل معه كما تعاملت مع ميشال عون ولبنان في أمسّ الحاجة إلى مساعدات منها لينهض من الكبوة.
رياض سلامة كان المفترض بفعل الطبيعة المالية والاقتصادية للأزمة الداهمة أن يكون الخليفة التلقائي لميشال عون، ولا أحد غيره.
سبقه الانهيار المالي والاقتصادي. لا شكّ يردّد الرجل بينه وبين نفسه ليتني قمت عن الطاولة في 2017.
كان رهانه أن يصمد الوضع حتى انتهاء ولاية عون أو تحصل معجزة. ولم يصمد.
لكن صدامه المدوي مع فريق رئيس الجمهورية الذي سعى جدّياً لإطاحته،
مدعوماً من “حزب الله” بإعلامه وجمهوره ومَن يمون عليهم الحزب ويحرّكهم في الشارع،
كشف حقيقة قلة كانت متنبّهة لها: يتمتّع رياض سلامة بقوة سياسية – إعلامية
كبيرة من كلّ الطوائف والمناطق والبيئات والقطاعات والأحزاب،
معطوفة على دعم معلن من مرجعيته الدينية، ومساندة وحماية لا تخفى من الولايات المتحدة الأميركية،
مما أجبر “حزب الله” ومن يسير في ركبه على التراجع عن حملتهم على سلامة.
عندما اضطر سلامة إلى الدفاع عن نفسه “باللحم الحيّ” اضطر إلى إظهار مخالبه ومعها قوته.
كان المؤشر إلى وقف الحرب ضده تصريح الشيخ نعيم قاسم
أنّ الحاكم ليس وحده المسؤول عن مآل الأوضاع. دوائر القرار الخارجي في واشنطن
التي كانت تفتش عن جهة قادرة في لبنان على الوقوف في وجه تمدّد مشروع “حزب الله”
قد تكون توقفت ملياً عند أداء سلامة وصلابة الشبكة التي نسجها، مدى 27 عاماً، في الحاكمية.
جهاد أزعور متفوق علماً بالإدارة المالية والاقتصادية وأكاديمياً وموقعاً دولياً.
وزير المال بين 2005 – 2008 أعطاه المجتمع الدولي حقّه أكثر من وطنه.
ابن أخت جان عبيد هو حالياً مدير صندوق النقد الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.
سيكون على العهد وحكومة حسان دياب التعامل معه في سعيهما إلى رضاء الصندوق وقروضه.
والرجل يقيم وعائلته ويعمل في واشنطن وكثير الأسفار. جهاد أزعور ثقافة، وعلاقات جيدة، وطاقة في ذاته.
لن يعجب اسمه “حزب الله”، على غرار ردّة فعله عند طرح اسم نوّاف سلام لرئاسة الحكومة.
يذهب آخرون إلى أن طبيعة الأزمة المقبلة،
على ما توحي انعكاسات التردّي المالي، سوف تكون أمنيَّة ومتمادية.
يُفترض عند ذلك الإتيان بعسكري: جوزف عون. أليست قيادة الجيش بمثابة ولاية عهد؟
بلى. عندما ينتقل في بلد ثلاثة جنرالات على التوالي من مقر قيادة الجيش إلى القصر الجمهوري تكون كذلك.
الأميركيون يعرفونه جيداً ويتعاملون معه وأيضاً “حزب الله”
(المفارقة أن العونيين سيبقون عونيين ولن يضطروا إلى تغيير أناشيدهم. هو أيضاً الجنرال عون).
جبران باسيل سوف يستاء. يُشاع إنه توجّه مرة خلال اجتماع في قصر بعبدا بعيد اندلاع “17 تشرين” إلى جوزف عون قائلاً له: “انسَ ما قد يكون في بالك”، ملمّحاً إلى رئاسة الجمهورية. كان بعض المحيطين برئيس الجمهورية يتبرّمون، تلك المرحلة، من تجنّب قيادة الجيش قمع الاحتجاجات وأعمال قطع الطرق. يُشاع ويصعب التأكد في هذه الأوضاع، باستثناء أن طرح اسم قائد الجيش للرئاسة في لبنان طبيعي وجدّي، مُذ فتح فؤاد شهاب هذا الباب، وأيّاً يكن اسم هذا القائد.
يستطيع جبران أن ينتظر ظروفاً أخرى لولاية أخرى. معه وقت ولن يبلغ الخمسين قبل شهرين. إذا أصرّ “حزب الله” على ترئيسه كما فعل مع حميه فسيشعل حرباً كبرى. ما هذا الرئيس الذي يحتاج إلى تحريك لواء لحمايته من الناس كلما أراد زيارة مدينة أو منطقة؟
سمير جعجع من الأسماء المطروحة بطبيعة الحال. لا شك أنه إذا وصل إلى القصر الرئاسي بسحرساحر، فستكون الأحوال أفضل مما هي عليه في ظلّ ولاية عون أو جبران باسيل. مشكلته أنه صار حذراً جداً حيال من يُفترض أنهم كانوا حلفاءه. لم ينسَ ولن ينسى لسعد الحريري أنه رشح سليمان فرنجية من وراء ظهره. سيبقى في مكانه “بَين بَين”، يساير ميشال عون لفظياً وفي الشكليات ويخاصم جبران باسيل ويتحاشى “حزب الله” فاتحاً قنواته مع الجميع، إلاّ إذا حصل من الساعين إلى جبهة معارضة للعهد على “وكالة غير قابلة للعزل” بتأييد ترشيحه للرئاسة.
يتكل جعجع على أنه رئيس أكبر ثاني كتلة نيابية ليكون ثاني “مرشح قوي” بهذا المعيار بعد باسيل. الرجل الذي كان يردّد مقولة “السياسة أولاً” يفوته أنّ فاعلية نائب وازن واحد في البرلمان قد تكون أكبر من فاعلية 15 نائباً من حزبه.
ثم أن رئاسته تقتضي انقلاباً جذرياً في موازين القوى تزيل رفض “حزب الله” له وسائر الاعتراضات. صحيح أن تلبيته دعوة عون إلى القصر، وحده دون سائر الأقطاب المعارضين، وتحاشيه ذكر “حزب الله” وسلاحه وحروبه وعداواته في معرض سرده لأسباب انهيار الاقتصاد اللبناني قد حسّنا صورته في عيون الحزب، إلّا أنه يبقى سمير جعجع، بخلفيته وعلاقاته المرفوضة كلياً لدى أنصار “الممانعة”.
وحتى في حال تحقّقت معجزة، وفق المعطيات الحالية، ولم تعد للحزب قدرة فرض “فيتو” على مرشح للرئاسة، يمكن أن يرى جعجع أمامه منافسين أوضح منه في الموقف وأقوى عند المؤثّرين في الداخل والخارج: فارس سعَيد أو سواه يمكن. مَن يستطيع التكهّن بما بعد لحظة انقلاب جذري وكبير؟
مصدر قناة23