وزارة التربية… الناس بالناس والفاس بالراس!
لا يزال الغموض يسيطر على مصير العام الدراسي في لبنان، والذي عُلِق ما بين حراك 17 تشرين وأزمة “كورونا” التي طرأت على البلاد وأدّت الى اغلاق كافة المدارس بفعل الحجر الذي فرضته وزارة الصحة بهدف مكافحة انتشار الوباء. سيناريوهات عدّة طُرحت في هذه المرحلة الدقيقة كان من المفترض ان تُسهم في سدّ التقصير على المستوى التعليمي، الا أن معظمها لم يحقق نجاحا مرجواً لأسباب معروفة لدى الجميع، ولعلّ أبرزها أن تجربة التعليم عن بُعد واجهت العديد من المشاكل، والتي لم تسعفها الجهود الحثيثة التي بذلها وزير التربية والتعليم، فباءت بالفشل.
والغريب في الأمر أن وزير التربية في حكومة الاختصاصيين طارق المجذوب، لا يزال حتى اليوم يتأرجح ما بين التردد والقرار،
إذ أنه لم يعمد الى اصدار أي تعميم حاسم بشأن العام الدراسي ومصير طلاب الشهادات الرسمية،
على رغم الحملات الاهلية والطلابية المطالبة بإلغائها نظراً إلى عدم جهوزية التلاميذ على المستويين التعليمي والنفسي،
حيث أن اول ظهور لمجذوب “لايڤ” عبر موقع “انستغرام” في مقابلة اعلامية أسقط اولى السيناريوهات المعتمدة وهي “التعليم اونلاين”،
إذ ان انقطاع الاتصال في اكثر من مرة بدا كافياً لإقناع معاليه بمدى تردّي خدمة “الانترنت” في لبنان وأزمة الكهرباء، ما نتج عنه احباطاً خيّم على الأجواء التعليمية اثناء تطبيق هذا الطرح،
وأثّر سلباً على معنويات الطلاب المتعلقين بحبال الهواء على أمل الإلغاء.
ولم يوفّق “لبنان 24” في التواصل مع معاليه لاكثر من مرة بغية الحصول على وعدٍ
بموقف قريب مُرتقب يريح أعصاب الطلاب المتشنجة ويخفف من وطأة المجهول على قلوبهم المرتجفة،
ومناقشته بمختلف وجهات النظر، حيث جرى الاتصال به مرارا من دون جدوى،
ها نحن اليوم نستعرض بعض الآراء التي جرى تداولها من قِبل الرأي العام سواء عبر البرامج الحوارية او المناشدات على مواقع التواصل الاجتماعي،
أوعبر لقائه الاخير على منصّة “انستغرام”، آملين أن نساهم في إيجاد ردّ يحدد مصير هؤلاء الطلاب الماكثين بين غمة الحجر والقلق.
لم يتوقف الوزير المجذوب منذ تسلمه حقيبة التربية والتعليم عن استعراض النظريات التربوية متناسيا أنه لم يعد “دكتور جامعة” وانما اصبح في موقع مسؤولية أكبر، حيث لا مكان للاستعراضات والمثاليات،.
وان كان لا بدّ حقاً من الانجازات، فلا مانع من أن يركز جهوده في تأهيل المدارس الرسمية
والنظر في كلفة تسجيل الطلاب وأسعار الكتب المدرسية وأقساط المدارس الخاصة
التي بدأت تشكّل عبئا على اولياء الامور في ظلّ الازمة الاقتصادية والمالية التي أدت الى ارتفاع نسبة البطالة في لبنان.
إن كان لا بدّ من الانجازات، قد يكون من الأفضل أن يسعى “الاستاذ”، كما يروق له أن نناديه،
الى التنسيق مع وزارتي الاتصالات والصحة للوقوف فعلياً على حجم المأساة!
ولربما يُسجّل له إنجاز أيضا، لو أنه اصدر تعميما بمنع عشوائية الطلبات الحرة للشهادات الرسمية،
في حال إلغائها، لئلا يحصل على الشهادة من هم غيرمؤهلين لها، وتصبح بمتناول الجميع من كافة الاعمار و”يلا عالجامعة”!
ولعل اهم إنجاز يمكن تحقيقه في هذه المرحلة هو إلغاء الشهادة المتوسطة
التي تبدو من العادات والتقاليد التربوية لا اكثر، والتي لم تعد، مع التطور الحاصل،
معيارا قياسيا لمستوى قدرة الطالب ومعرفته ومهاراته، والنظر في عدم إلزاميتها للحصول على وظيفة بل شبه محصورة في المؤسسات العسكرية، وفي الحقيقة لست أدرك اهمية ذلك،
اذا كان مكان العسكري الحامل للشهادة المتوسطة على الحواجز وفي الدوريات وتأمين الأمن في التظاهرات!
هذا ولم أتطرّق الى حقوق المعلمين المنتهكة، لا سيما في المدارس الخاصّة حيث يتقاضون معاشات مقتطعة،
بالاضافة الى عشرات الألوف من المتعاقدين في المدارس المجانية الذين لا يزالون من دون قبض مستحقاتهم،
ولم يستفيدوا حتى من زيادة الاجور المقرّة في القانون!
الجدير بالذكر ايضا، ان وزير التربية وضع نصب أعينه من ضمن السيناريوهات المقترحة فكرة تمديد العام الدراسي،
على أن ينتهي في شهر تموز المقبل ومن بعدها يجري تحديد موعد للامتحانات الرسمية.
“طيب” هل يعي معالي الوزير أن الطلاب كانوا في فترة حجر، مقطوعي الأنفاس عن الحياة،
وهم حتما بحاجة للاستفادة من عطلة صيفية لاستعادة نشاطهم والعودة الى مدارسهم بمعنويات مرتفعة وقدرة كافية على الاستيعاب والعطاء؟
“يعني” أوليس هذا الاقتراح مجحفاً بحقهم وحقّ طفولتهم وشبابهم ام انه “فوق الحجر عصّة فحص”؟
اليس من الواجب عليه وهو الأب قبل أن يكون وزيرا مراعاة أوضاعهم النفسية وظروف أهلهم المعيشية الظالمة؟
ترى من أية زاوية يتطلّع معاليه الى الأزمة؟ اذ يبدو لي أننا جميعاً نعيش على ذات الكوكب!
قد يكون انهاء العام الدراسي من دون اختبارات مدرسية،
ومنح الإفادات لطلاب الشهادات الرسمية ليس بالأمر المهني على الاطلاق،
الا ان الازمات المتتالية التي أرخت بظلالها على الواقع تفرض الاخذ بعين الاعتبار الظروف النفسية للطلاب،
والنظر بجدية أكبر الى حجم التوتر الذي أصابهم، لا سيما وانهم لم يتمكنوا من تحصيل الكفايات المطلوبة،
بالإضافة الى أن الضغوطات التي ستطال المدرّسين ايضا خلال محاولاتهم استكمال المنهاج بأي شكل من الأشكال،
ستجعلهم في موقع “الملحوق” قبل نهاية المدة المحددة التي ستقررها الوزارة لبدء الامتحانات الرسمية.
مما لا شك فيه أن الوزير طارق المجذوب يتمتع بسيرة ذاتية مشرفة وبمهنية عالية،
حيث أن جميع المبادرات التي أطلقها كانت لتلاقي صدى واسعاً في بلدان اكثر تطورا من لبنان،
الا أن استحداثها في هذه المرحلة العصيبة ليس ببطولة،
وانما هو حلم “المدينة الفاضلة” الذي من غيرالوارد تحقيقه بين ليلة وضحاها على حساب مصلحة الطلاب،
وانطلاقا من موقعه الذي يفرض عليه إدارة الأزمة بشكل سليم، فإن الاصرار بدافع اثبات الجدارة،
من شأنه أن يتحول ضرباً من ضروب العناد،
هذا العناد الذي يجعل معاليه يظن أن استكمال العام الدراسي والاختبارات الرسمية يعتبر إنجازا،
في حين أن الانجاز بحد ذاته يتمثل في النظر بعين الرحمة الى اولئك الذين سيجلسون على مقاعد الدراسة يلتفتون حولهم مع كل “سعلة” او “عطسة”،
او لدى سماع اصوات الهتافات الشعبية في الشارع الرافضة للظروف المعيشية القاهرة.
معاليك، لبنان بأكمله في وادٍ وانت في وادٍ آخر،
الطلاب في همّ وانت في هدوء مبالغ فيه لا تشفع له بعض العبارات العاطفية التي اثرتها في مجمل لقاءاتك،
والتي لم تلقَ تفاعلا من قِبل طلاب لبنان، لأن “الناس بالناس.. والفاس واقعة بالراس”!.
مصدر : لبنان24