رسائل دولية وصلت إلى لبنان: لا دولار واحد إلّا بشروطنا…
فبدأت مرحلة التفاوض مع أفرقاء دوليين وفي مقدّمهم الأميركيين، إضافة إلى توجه دياب، وكان رأي رئاسة الجمهورية يصب في الإتجاه نفسه. ونلاحظ في هذا السياق كيف تدرّجت مواقف “حزب الله” من رفضه للصندوق في البداية، ثم قبوله الجزئي المشروط، وصولًا إلى الترحيب بخطّة حكومية بُنيت لتستجلب صندوق النقد، وقد يكون الحزب أخطأ التقدير برفضه للصندوق في المرحلة السابقة، عندما كان الإتجاه للتفاوض مع صندوق النقد واستشارته فقط ضمن شروط مقبولة، وليس التقيّد ببرنامجه وشروطه، فجاهر الحزب برفضه لصندوق النقد، قبل أن تعلن إيران نفسها طلب مساعدة الصندوق في جهودها لمكافحة وباء الكورونا، ثمّ تراجع الحزب ليعلن موافقة مشروطة.
ولكنّ التوافق الداخلي على أن لا بديل عن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، لا يعني أنّ الأخير سيقبل بطلب حكومة لبنان، لا بل أنّ هناك شروطًا واضحة وصلت إلى المعنيين في لبنان، هي أولًا حصول توافق داخلي من قبل القوى السياسية اللبنانية حول الخطّة وإلتزام بتنفيذ الإصلاحات، ثانيًا تمكّن الحكومة من إقرار الخطّة بصيغتها النهائية، بعد ذلك ينتقل البحث إلى مرحلة الحديث عن دعم مالي. سألوا عن جهوزية الخطّة، فسمعوا من الأفرقاء أكثر من جواب، بعضهم اعتبر أنّ الخطّة بصيغتها الحالية ليست سوى تجميع أرقام، وأمامها مسار طويل لتتبلور وتصبح خطّة قابلة للتنفيذ، بعد بحثها وإقرارها في المجلس النيابي، وعن مدى قدرة الحكومة على إقرارها، كان الجواب أنّ الأمر يعود للسلطة السياسية.
في الوقت الفاصل عن مرحلة إقرار الخطّة توالت الرسائل من اتجاهات عدّة،
بأنّ المانحين لن يقبلوا بأيّ شرط، وهذه الرسائل وصلت من ثلاث جهات فرنسية أميركية وأيضًا من صندوق النقد، مفادها “أنّ إقرار الخطّة وفق شروط “حزب الله” لن يلقى قبولًا، وتنفيذ الإصلاحات يجب أن يكون بطريقة شفّافة وبعيدًا عن منطق استهداف المعارضين لمحور “حزب الله” أو للسلطة الحاكمة، وأنّهم ينتظرون من حكومة دياب أن تثبت قدرتها على الشفافية في ذلك”. أكثر من ذلك اشترطوا تدقيقا من قبلهم، إضافة إلى شركة kroll كان مجلس الوزراء قد اتخذ قرارًا بتكليف شركتي KPMG و Oliver Wyman التدقيق في حسابات المركزي. وبالتالي أمام هذه الصورة ، إذا وافق صندوق النقد على خطّة الحكومة، سنكون أمام عملية معقدّة، برأي مصادر متابعة، وأن دور لبنان من خلالها سينحصر كونه أداة تنفيذية، والرقابة الكاملة لهم، وكل دولار سيصرف سيكون تحت مجهرهم.
الولايات المتحدة لم تخف شروطها، لا بل تجاهر بها على لسان مسؤولين أميركيين. فالسفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان وفي تقرير له نشره معهد “بروكينغز” اعتبر أنّ “دياب يواجه تحدّيًا يتمثل في إقناع المانحين بأن الخطة الراهنة لا تعزز هيمنة “حزب الله” في دولة متصدّعة”، وتساءل فيلتمان “إن كانت حكومة دياب قادرة على تحمل ضغوط “حزب الله” ووزير الخارجية السابق جبران باسيل للنظر بشكل انتقائي وسياسي في مزاعم الفساد؟”. وقبل أيام مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر قال لـ “وكالة سكاي نيوز عربية” ما حرفيته “أيّ أموال ستقدّم من صندوق النقد ليست مساعدات مجانية بل مشروطة بخطوات إصلاحية تتيح للصندوق ممارسة رقابة على اقتصاد الدولة اللبنانية. ومن اللافت أنّ نرى ما إذا كانت الحكومة التي يشكّل “حزب الله” جزءًا منها قادرة على الإلتزام بالإصلاح، خصوصا وأنّ الحزب يعتمد على التمويل غير القانوني وعلى الفساد وتجنب دفع مستحقاته للدولة كالجمارك والضرائب”.
أمام هذا السيناريو الذي سيتضح أكثر كلما تقدّمت الحكومة بمفاوضاتها مع صندوق النقد، لن يكون “حزب الله” بموقع يُحسد عليه، فمن ينادي بشعار “الموت لأميركا” سيكون تحت مجهرها وملزمًا بشروطها في حكومة انصبغت بلونه، وأمام هذا الواقع ربما حان الوقت للإقلاع عن اتهاماتهم الجاهزة لأفرقاء في الداخل بالتبعية للأميركيين، وهي الإتهامات التي لطالما بنى هذا الفريق خطابه وفقها، هذا إذا تناسينا أنّ العميل عامر الفاخوري أُطلق في كنف حكومة الممانعة وبفضل أبرز حلفاء الحزب.