الإقتصاد اللبناني من مصدر للنعمة إلى دافع للنقمة
لا يخفى على أحد اليوم، في لبنان وخارجه، مدى الأزمة الإقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي هي بلا أدنى شك، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتقلبات والتشنجات السياسية، بدءاً بالفشل الذريع الذي انتجته المناكفات بين المتعاقبين على تولي مواقع المسؤولية في هيكل الدولة، وصولاً إلى الإتهامات المتبادلة بين من يرى في نفسه نموذجاً لا مثيل له في الأخلاق والعفة، وبين الذي يهدد ويتوعد بكشف المستور، انطلاقاً من قاعدة عليّ وعلى أعدائي، ويوهم كل من يسمع كلامه وتهويله بأنه لديه ما يؤكد صحة يدلي به، حول الأسباب الحقيقية لما وصلت إليه الحال، ولكنه لا يخطو نحو التنفيذ لإعتبارات عدة لا تخفى على أحد.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء، وأردنا التقاط بعض الملامح مما كانت عليه حال اقتصادنا، نجد أنه في العام 1950، عندما استدعي رئيس الحكومة البلجيكي السابق (بول فان زيلند) بصفته خبيراً بالشأن الإقتصادي، خَلُصَ إلى النتيجة التالية:
“من الأفضل للبنان، رغم جهله بالقواعد الكلاسيكية للإقتصاد، أن يواصل الطريق التي سلكها لأن النتائج التي أحرزها حتى الآن تبدو مشجعة”.
هل يبدو هذا الكلام لمن يقرأه كافياً لشرح حال النجاح المميز للبنان؟
واستمر التعاطي مع الأمر بناء على هذه العبارة، واعتُبِرَ الإقتصاد اللبناني في خانة المعجزات، التي لا يمكن شرحها وتوضيحها بما تيسر من الأسباب العلمية المتوفرة، لهذا علينا الإيمان بها كما وردت، على لسان متداوليها، نقلاً عن لسان أول من اكتشف حدوثها، وأعلن عن وجودها!
واليوم، وأمام هذا الواقع المرالذي هو نتيجة جهل لبنان بالقواعد الكلاسيكية للإقتصاد، لا يمكنه أن يواصل الطريق التي سلكها على مدى عشرات سنوات خلت، لأن النتائج التي أحرزها لم تعد مشجعة، ولم تعد مقبولة، وهي تحتاج، بلا أدنى شك، إلى تغيير يطال الفروع والجذور معاً، بأسرع وقت ممكن، كي يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقبل أن يحدث ما لا يمكن أن تُحمد عقباه.
نبيل عرابي – international scopes