كثرت التكهنات عن حجم الثروة النفطية، وزُرِعت الأوهام والأحلام بأن لبنان بلدٌ نفطي ونحن ما زلنا في طور الاستكشاف، وفي الخطوة الأولى من مشوار الألف ميل لدخول نادي الدول المنتجة للنفط… تمّ التطبيل والتزمير والتهليل والتبريك… صنعنا من المجهول إنجازاً، وأخّرنا المعلوم إلى مرحلة المفعول به، حتى تحوّل هذا الأخير إلى مفعولٍ مطلق الحقيقة والنتيجة: “لاشيء إلّا نظاماً بترولياً يعمل في قعر البحر. بيانات قيّمة ودروساً مهمة للبلوكات الباقية. لا آثار لـ”رزرفوار تجاري” في البلوك رقم 4. والهدف الرئيسي لم يتحقق إلّا أن النتيجة “غير سلبية ” وأيضاً غير “ايجابية “… وهنا بيت القصيد .
هل تبخرت أحلام اللبنانيين وتلاشت؟
هل فقدت الشركات شهيّتها للاستمرار بالمهمّات الصعبة مع هبوطٍ غير مسبوق لاسعار النفط العالمي؟
هل استفدنا من المعلومات والتوقعات المغلوطة بأن ثروتنا سوف توازي ثروة قطر النفطية؟
وماذا حصدنا من التسويق والاستثمار السياسي، والتضليل بأن مدخول لبنان الشهري من الغاز سيصل إلى حوالي 110 مليارات$؟
وبماذا انتفعنا من بروباغندا صوّرت توتال متلهفةً للحصول على الحق في البلوك رقم 4، لأنه أكبر حقل غاز في العالم؟
هل أصِبنا بالإحباط، أم كان من الأفضل لنا التزام الصمت؟
لماذا كبّرنا من حجم الثروة؟ هل انتظرنا المعلومة الواضحة والدقيقة من المشغّل، وهي التي تحتاج إلى أكثر من 6 أشهر لإجراء فتحات بئرية عدة، وفحصها، وتقييمها، وتحليلها، لمعرفة حجم الكميات ونوعيتها، وأخذ القرار ما اذا كانت تجارية، وتستحق الدخول في مرحلة الحفر والإنتاج؟
إن أفضل مثالٍ عن هذا الموضوع هو ما حصلَ في حقل “زهر” المصري. يؤكّد الرئيس التنفيذي لشركة “يوروتك للنفط والغاز”، د. فادي جواد “الأنبـاء” أنه حيث فشلت شركة توتال بعد ستة أشهر من الوصول إلى نتائج إيجابية عادت الحكومة المصرية إلى تلزيم الحفر لشركة “إيني الإيطالية”. والمعلوم أن حقل”زهر” هو أكبر حقل غاز تمّ اكتشافه في البحر الأبيض المتوسط في عام 2015، وتبلغ مساحة الحقل 100 كم²، وحجم الكمية 30 تريليون قدماً مكعباً، وقد عثرت عليه شركة إيني الإيطالية في منطقة في البحر المتوسط على عمق نحو 1500 متر، وذلك بعد فشل شركة توتال الفرنسية، مع الإشارة إلى أن مصر تملك أضخم بُنى تحتية للتكرير، والتي لا تملكها معظم دول حوض شرق المتوسط، بحسب جواد.
ومن المتعارف عليه أنه يترافق مع الآبار الاستكشافية في المناطق الجديدة، معالم نجاحٍ ضعيفة Risk factor is high، نظراً لقلة البيانات الجيولوجية، والجيو- فيزيائية المتاحة في المناطق الجديدة، وبالتالي فإن نجاح أول بئر فى حالة عدم تحقيق اكتشافٍ تجاري هو الحصول على بياناتٍ عن وجود الهيدروكربون من عدمه. ويتمّ تعديل الأماكن المقترحة فى المستقبل لتقليل نسبة المخاطرة، والحصول على اكتشافٍ تجاري.
وهنا يسأل المواطن اللبناني هل بلوك رقم 4 هو المؤشّر لمدى وجود ثروة نفطية في لبنان أم لا ؟ وهل يقف لبنان هنا؟ ليس بالضرورة، حيث أن الاكتشافات النفطية تختلف بين بلوك وآخر، ومن خبرتنا (بحسب د. جواد) يوجد بلوك منتِج ملاصق لبلوك غير تجاري تمّ إقفاله، وبلوك بحجم 30 تريليون قدماً مكعباً، ويجاوره بلوك يحتوي على 2 تريليون قدماً مكعباً. فبالتالي إذا لم توفّق شركات التحالف “Total- ENI- Novatek” في الوصول إلى استكشافٍ تجاري في بلوك رقم 4، فيجب المسارعة إلى تلزيمه لمجموعةٍ أخرى، أي مثلما حصل مع توتال في حقل “زهر” المصري. وبالتالي فإن عملية استكشاف الغاز هي المرحلة المهمة في عالم النفط والغاز، وتحتاج إلى مهارات فنية عالية من قِبل الفنيين بالتعاطي مع الجيولوجيا وتحليل البيانات.
وبالنسبة للبلوك رقم 4، تفيد النتائج الأولية عن وجود غاز في مستويات متعددة من الحفر، بالإضافة إلى العناصر الأساسية لوجود هيدروكربون مع انتظار التقرير النهائي لشركة توتال لتحليل البيانات والعيّنات خلال ال 60 يوماً المقبلة.
وفور إعلان النتيجة، وخصوصاً إذا كانت مبشّرة، سينطلق التحالف نحو حفر البئر الاختياري غير الإلزامي، ويتوجه للتفتيش عن المكمن المنتظر، وخصوصاً أن طبقة الصخور التي بلغت 1000 متر في البلوك رقم 4، كانت غنية بالهيدروكربون، وهذا ما يدعونا إلى التفاؤل بأنه توجد كمية تجارية مهمة بحسب الخبير جواد.
ومن جهة أخرى يعزّز هذا وضع الدولة اللبنانية في قوة التفاوض على البلوكات الثمانية إضافةً إلى فتح شهية الشركات البترولية العالمية للدخول بقوة في دورة التراخيص الثانية، وخصوصاً الشركات الأميركية.
امّا عن كلفة الدولة اللبنانية حتى اليوم على هذا الاستثمار فيُشير مصدرٌ رسمي مسؤول رفض الكشف عن اسمه” للأنباء” بأن الشركات تتحمل كل أعباء الاستثمار، والدولة اللبنانية لم تتكلف أي مبلغ.
وبناءً على تقييم اختصاصيين مقرّبين من العهد بعد الانتهاء من الحفر في البلوك رقم 4، فقد اتّضح أمران: إيجابي وسلبي.
في الشق الإيجابي تمّ التأكد من وجود نظام جيولوجي بترولي يعمل في قعر البحر اللبناني، أي أنه يُنتج المواد الهيدروكربونية، وهذا يساعد في دراسة المعطيات في الأشهر المقبلة بطريقةٍ أكثر علمية.
أمّا في الشق السلبي، فلم يظهر أي مكمنٍ غازي يحتوي على كميات تجارية من الغاز. لكن هذا لا يعني أن بلوك رقم 4 لا يحتوي على كمياتٍ من الغاز، علماً أن هذا الأخير تبلغ مساحته 1900 كلم 2، بحيث يمكن حفر آبار استكشافية أخرى في هذه المساحة مع الوصول إلى احتمال من الاثنين، سلبي أو ايجابي.
وفيما أكّد وزير الطاقة، ريمون غجر، نتيجة وجود العناصر الأساسية لنظامٍ جيولوجي- بترولي في البحر اللبناني، ولم يتم التحقق من وجود مكمنٍ غازي، تبقى الأسئلة مشروعةً حول مستقبل لبنان النفطي في حال كانت النتائج إيجابية في البلوكات الباقية؟
فهل سيشارك لبنان في المنتدى المزمع تشكيله لخط النفط مقابل منتدى غاز شرق المتوسط؟
إن وجود لبنان خارج منتدى غاز شرق المتوسط،(EastMed Gas Forum) المؤلف من مصر، إسرائيل، قبرص، اليونان، إيطاليا، والأردن، وفلسطين، والهادف إلى إنشاء سوق غاز إقليمي يخدم مصالح الأعضاء، وبالتالي يشكّل قوة بترولية تتحكم باستراتيجية المنطقة البترولية، وهذا ما سيدفع باقي الشركاء في حوض شرق المتوسط لتشكيل تحالف من لبنان وسوريا بحكم عدم قدرتهما على دخول منتدى يتواجد فيه العدو الإسرائيلي. ويضم المنتدى تركيا التي لن تشارك منافستها مصر في الدور الإقليمي، ودورها الدولي المتنازع عليه، وتحديداً على مرتبة سادس أقوى اقتصاد عالمي. ويتوقع أن تكون اللّاعب الرئيسي في هذا المنتدى ما بين روسيا والصين والأغلب أن تتقاسم الدولتان الأدوار حسب احتياجاتهما الاستراتيجية الدولية.
فهل سيستثمر لبنان في الثروة النفطية؟ ويدخل المنتدى، أم سيبقى مستثمراً في السياسة، وفرحة الإنجازات قبل إنجازها؟