إنها تجمع في قامتها مساحة من الحضور والتعبير
اقترب الليل من النافذة الشفافة.. معلناً حلول موعد الصمت اليومي, في حضرة شمعة نحيلة, لا لون لها, لا رائحة لها.. ولا جدوى من ذوبانها سوى أنها تسامر الصمت بمرارة حين يطلّ عليها من شرفة الغياب..
أتراه دمعاً هذا الذي يقطر منها..!
أتراها حياة هذه التي تجعلها منتصبة في مكانها لساعات طويلة, دون أن تأتي بحركة ما,أو أن تغادر موقعها..!
أتراها تكتفي بلهيبها , وإن كان لا يقوى على مواجهة زفير مسلّط عليها.. ينفث فتات الحزن العالق في شعاب الرئتين المشبعة بثاني اكسيد الهموم..!
غريب أمرك أيتها الشمعة المجهولة المصدر.. من أين لك كل هذا الصبر على الوقوف كحارس قصر ملكي, يخشى أن يهش ذبابة إذا حطّت على أنفه.. كي لا يخسر وظيفته..!
غريبٌ أمرك حقاً..! كيف تكتمين هذا الكم الهائل من الأسرار, وأنت على مسافة يتمناها كل مظلوم من ظالمه, لينقضّ عليه ويثأر لنفسه..!
هل تعني النار المشتعلة فوق رأسك أنك تنبضين بالحياة..وأنك تمارسين دورك فيها, وتقومين بالمهمة الموكلة إليك على أكمل وجه..؟
أجدك تلتزمين الصمت دوماً.. وتتركين لمن استضافكِ على مائدته, أو في غرفته, أو في طقس من طقوسه أن يسبغ عليك الصبغة- الهدف من حضورك..
وبالمقابل, فحين تغفل العين عنك, فتتركين وحيدة.. إلا من هدوء يصمّ آذان الجدران.. فإنك كثيراً ما تجعلين الذي أهملك, يدفع الثمن غالياً..
حتى يصل الأمر أحياناً إلى الخروج عن دائرة السيطرة.. فلا تكتفي ثورة غضبك بالحجر.. فتطال البشر, وما من تهمة توجه إليك.. وما من عقاب ينفع في حال إثبات تورّطك المباشر في جرائم الحرائق غير المفتعلة…
وعجيب أمرك أيضاً.. فكيف تستطيعين أن تجمعي في قامتك, التي مهما طالت, ومهما ثخنت, كل هذه المساحة من الحضور والتعبير, وإلى حدّ كبير, في كل مل من شأنه أن يقرع باب الحاجة والشعور الإنساني, فقد رافقت حقبات طويلة من الحضارات التي شهدها التاريخ,
وبالرغم من كل الأزرار التي صرنا نضغط عليها لنحصل على النور الكافي لتفاصيل حياتنا.. إلا أنك ما زلت صاحبة وجود فاعل في ميادين عدة وشتّى, لا تنفع فيها المنافسة معك, ولا طعم لها, ولا معنى لوجودها, إن لم تكوني ” سيدة الدار” فيها.
نبيل عرابي – International scopes