حين تسمع باسم اللواء عباس إبراهيم، تستحضرك عناوين تخصّ الوساطة الأمنية وإعادة المبعدين وتحرير الرهائن، لكن أن تسمع باسمه مجتمعاً مع هيئة نقابة الصرّافين، فذاك أمر جديد علينا في لبنان. رغم أنّ الأجهزة الأمنية كلّها دخلت على خطّ الصرّافين منذ ارتفاع سعر الدولار، أو الأدقّ منذ القرار بضبط التلاعب بسعر الليرة.
في لبنان، ما عدنا نعرف ما صنف هويتنا الاقتصادية. ظاهرياً، يبدو اقتصادنا ليبرالياً حرّاً يقدّس الحرية والمبادرة الفردية ويُعلي من شأن القطاع الخاص. لكن أرض الواقع تخبرك أنه بات اقتصاداً موجّهاً، تديره الأحزاب .
البيان الذي صدر أمس عن النقابة، ذكر صراحة أنّ الاجتماع عُقد بطلب من اللواء إبراهيم نفسه. هذا ربما يعطي انطباعاً أنّ النقابة كانت حريصة أن تقول الأمور كما هي بلا مواربة. لكن من المؤكد أنّ الاجتماع لم يأتِ من عَبَث، فثمة جهة طلبت من اللواء القيام بتلك “الوساطة”، وهذه الجهة ليست الحكومة أو رئيسها، ولا رئيس الجمهورية، ولا حتّى حاكمية مصرف لبنان، لأن كلّ من سبق ذكرهم لا يبدون بعيدين عن النقابة.
واضح أنّ الجهة التي مانت على مصرف لبنان في التعميم رقم 148 الخاص بـ”صغار المودعين”، تستكمل عملها اليوم مع الصرّافين عملاً بالتعميم 149 الخاص بسعر الصرف. هذه الجهة هي “حزب الله”، وقد قرأنا عن دور الحزب في ذلك قبل أيام في الصحف والمواقع وفي خطاب السيد نصرالله، وهذا لم يعد سرّاً.
نقيب الصرّافين محمود مراد نفى أن يكون إبراهيم قد أعلن تكليفه من أحد، وأكد في اتصال هاتفي مع موقع “أساس” حرص ابراهيم على “الاقتصاد وأياديه البيضاء في متابعة الملفات تشهد على ذلك”، كاشفاً أنّ الاجتماع ركّز في البحث عن حلّ لـ”آفة الصرّافين غير المرخّصين” الذين أعاقوا تطبيق التسعيرة السابقة (1508 ل.ل يضاف إليها 30%) وحتما سيعيقون الالتزام بالتسعيرة الجديدة المفترضة، قائلاً: “طلبنا من اللواء مساعدته في مكافحة هؤلاء وقد وعدنا في إيجاد حلّ للموضوع في أسرع وقت”، من دون الكشف عن نوع الحلّ المنتظر.
وكانت النقابة أكدت في بيانها، تأييدها للتعميمين رقم 148 و149، ووعدت باعتماد أسعار تداول العملات الأجنبية “على ما ستفرضه قوة السوق المحتكمة للعرض والطلب بالتنسيق مع الوحدة المختصة في مصرف لبنان”، مذكّرة أنّ نجاح التعميم 149 “يفرض مكافحة الصرّافين غير الشرعيين ومنتحلي الصفة”.
المعلومات تقول إنّ التسعيرة ستكون 2600 ليرة لبنانية. سألنا النقيب عنها فلم ينفها، لكنه فضّل تأكيد الرقم الصحيح بعد الاجتماع مع الحاكم رياض سلامة. فقال مراد: “طلبنا الاجتماع معه كي نفهم آلية العمل التي تبدو غير واضحة حتّى اللحظة. ننتظر إخبارنا عن المعايير المعتمدة لإشراكنا بالمنصة والتطبيق. لم نعرف حتى اللحظة إن كان المصرف المركزي سيساهم في ضخّ الدولارات في السوق أم لا”.
إذاً في الشكل، يبدو أن الملف يُدار ضمن منطق “حوار الطرشان”. فالمعلومات تقول إنّ “حزب الله” يمثّل أحد الجهات الأساسية التي تعمل مع عدد كبير من الصرّافين غير الشرعيين وتغطيهم أمنياً لأنّهم “جهة داعمة لقطاعه المصرفي الخاصّ” في ظلّ العقوبات الأميركية التي أخرجته من القطاع المصرفي الرسمي. لكنّ الحزب في المقابل، ها هو يطلب من الصرّافين النظاميين، الالتزام بتسعيرة مستجدّة سيحدّدها مصرف لبنان. لكنّ “صائدي الدولارات” شكّلوا على الدوام عائقاً أمام تطبيق أيّ قرار يخصّ سعر الصرف… فكيف لذلك أن ينجح؟
مدير شركة “مكتّف لتحويل وشحن الأموال” ميشال مكتّف، أكد في اتصال مع “أساس” أنّ مصرف لبنان “تأخر كثيراً”. كان يمكن الركون إلى هذا الحلّ قبل أشهر حين وصل الدولار إلى 1800 ليرة وليس اليوم. مكتّف اعتبر أنّ فرض أيّ تسعيرة يستوجب أنّ تكون أعلى من الرقم السائد في “السوق السوداء”، لأنّ “الرقم الأعلى يبقى عالقاً في ذهن المواطن” الذي سيبحث عنه إذا أراد تصريف ولو 100 دولار. وهو بالتالي لن يرضى بصرف الدولار على سعر 2600 ليرة إذا كان صرّاف آخر، شرعياً أم غير شرعيّ، يبيعه بـ2800 ليرة.
ثم ختم مكتف بالقول: “اليوم، القرار القابل للتنفيذ يفترض أن يُثبّت سعر الدولار على 3000 وليس على 2600 ليرة، كما أنّ نجاح هذه الخطة متوقف على إلزامية ضخّ مصرف لبنان للدولارات في السوق”.
المصدر: عماد شدياق | موقع اساس