سحابة عطر
يتميز لبنان الثقافي في عطائه المستمر, الذي لم يخبُ يوماً بموقع فريد, حيث هو من الجغرافيا ومن التاريخ همزة وصل فعّالة بين الشرق والغرب, اللذين يلتقيان فيه, واللذين حتّما عليه أن يكون البلد الذي تتصارع فيه التيارات الفكرية العالمية, والموطن المثالي للثورة الفكرية المستمرة والطموح الذي لا يُحد.
ولقد أسهم اللبنانيون إسهاماً كبيراً في النهضة الثقافية المعاصرة, وحملوا لواءها على امتداد الوطن العربي, وفي بلدان الإغتراب, واستلهموها وشُغفوا بها, ودائماُ كان المُلهم سحابةُ عطرٍ, والمُستلهم مَن يَسْتَقطِرُ هذا العطر دواةً وحبراً, بهما يكتبُ الوطنُ نفسه على دفاتر الأيام, وبهما يكتبُ الإنسانُ ذاته على جبهة الوطن, فيكون الشموخ من بعد ثقافة إبداعية, بها تتنور الدنيا, حتى في حالك الظلمة.
فالثقافة هي الحصن المنيع في هذا العصر المضطرب, وهي المحرك الأساسي لكل عمل نهضوي, والمقوّم الأول للشخصية العربية المستقبلية, لذلك فإن وظيفتها الرئيسية هي الإرتقاء بالوطن العربي من مجرّد رقعة جغرافية إلى ساحة حضارية تحتضن العرب جميعاً, مما يحدو إلى التساؤل: ماذا سيبقى من عروبة العرب أو من دعائم الشخصية العربية ومن مقومات وجودها إذا تجرّدت من الثقافة؟ وما هو مصير الإنسان العربي إذا انسلخ عنها؟ بالتأكيد فإنها ستسقط وسيسقط معها التاريخ.
لذلك لا بدّ للثقافة في زمن غطرسة القوة, وضعف الحق بضعف أهله, من أن تنقلنا إلى وضع يقوى فيه الحق بقوة الوعي الذي يرفع شأن أهله, ويعمل على التخلص من كل أشكال والتردد والخوف والوهن, ويعزز بالفعل والواقع البُعد الوطني والقومي, ويرد على كل مَن يحاول إضعافه, فيجند لذلك كل الطاقات والإمكانات في سبيل النهوض بالمعرفة, وانتشار الثقافة باطمئنان الواثق وبهجة العطاء.
نبيل عرابي – International scopes