لا يهمّ اللبنانيين ان تكون حرب «طوفان الأقصى» آخر حروب إسرائيل، ما يهمّهم ان تكون هذه الحرب آخر الحروب التي يتم توريط لبنان فيها، فهل هذا الأمر ممكن، وكيف؟
لا مؤشرات بان نهاية حرب غزة ستشكل مدخلا لحلّ الدولتين، إذ عدا عن ان إسرائيل تعمل على ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم، فإن حرب الطوفان فاقمت بأزمة الثقة بين الفريقين، وأصبح من المستبعد تماما ان تنتهي هذه الحرب على قاعدة تسوية تؤدي إلى حلّ القضية الفلسطينية.
وما لم تحلّ القضية الفلسطينية فيعني ان إيران ستواصل استثمارها في الورقة الفلسطينية، ويعني ان لبنان سيبقى في وضعية الساحة التي يُحرِّكها «حزب الله» بالاتجاهات التي تخدم المشروع الإيراني، وأكثر من يخدم هذا المشروع، بطريقة غير مباشرة، هو إسرائيل بسبب رفضها الاعتراف بدولة فلسطينية، خصوصا ان هذا الاعتراف يقود إلى التطبيع العربي-الإسرائيلي ويُفقد الحزب ما يسمى المقاومة، لأن لبنان الذي انعقدت القمة العربية في عاصمته بيروت في العام 2002 وافق على القرار الذي أقرته الدول العربية بالإجماع: التطبيع مقابل حلّ الدولتين، والأرض مقابل السلام.
وتعتقد تل أبيب انها بالقوة لا السلام قادرة على ضمان وجودها وحماية شعبها، ولكن هذا المنطق أثبت على مدى عقود انه غير مجد لوحده ما لم يترافق مع مسار سلمي يقود إلى قيام دولة فلسطينية فعلية، وإلا ستبقى في دوامة الحروب المتواصلة، ولا مؤشرات، ويا للأسف، على أرض الواقع إلى إمكانية إبرام تسوية قريبة على هذا المستوى في ظل حكومة إسرائيلية أولويتها استعادة صورة الردع التي تشوهّت وتزعزعت على أثر عملية «طوفان الأقصى»، وبالتالي من الآن وحتى إشعار آخر حلّ الدولتين ما زال مستبعدا، والأولوية المثلثة لتل أبيب تكمن في التالي: ضرب ما تبقى من قدرات عسكرية لحركة «حماس» وإنهاء دورها السياسي، وضمان أمن شمالي إسرائيل ولو كانت كلفتها الذهاب إلى حرب واسعة مع «حزب الله»، ووضع الضغط كله على إيران لإجهاض برنامجها النووي وترسيم حدود دورها الإقليمي.
وفي حال نجحت إسرائيل في القضاء على «حماس» عسكريا وسياسيا، وأبعدت خطر «حزب الله» عن حدودها، فإنها تضمن أمنها لسنوات وعقود من دون ان تكون بالضرورة الحرب الراهنة آخر حروبها، وما أظهرته هذه الحرب ان طهران لا تشكل خطرا مباشرا على تل أبيب باعتبار ان الدور الأميركي العسكري تكفّل بردعها عسكريا، والأكيد ان عقدة «طوفان الأقصى» ستجعل تل أبيب تحصِّن وضعها بالشكل الذي لا يسمح بتكرار مشهد 7 تشرين الأول، والأكيد ان لا عودة إلى مرحلة ما قبل حرب غزة لا داخل الكيان الإسرائيلي ولا على حدودها الشمالية، وبالتالي اي ترتيبات عسكرية او سياسية ستكون لضمان وتحصين عدم العودة إلى مرحلة ما قبل هذه الحرب.
وأصبح معلوما مبدئيا ان «حزب الله» وجد في إعلانه حرب المساندة الأقل كلفة عليه من خيار عدم الدخول فيها نهائيا او خيار إعلانها مفتوحة منذ اللحظة الأولى، ولكن ما لم يتوقعه يكمن في مدة هذه الحرب والتكنولوجيا الإسرائيلية، وهذا يعني انه أخطأ التقدير، ولم يكتف بخطأ حرب المساندة التي أنهكته وحولته إلى هدف إسرائيلي لا يختلف عن «حماس»، إنما أرفقه مؤخرا بخطأ فيديو الأنفاق «عماد 4» الذي سيزيد التصميم الإسرائيلي، لا العكس، على إزالة خطر الحزب عن حدوده خلافا لاعتقاده بانه عبر هذا الفيديو قادر على خلق توازن ردع يمنع تل أبيب من توسيع الحرب التي يخشاها، وتوقيت نشر هذا الفيديو يرتبط بخشيته من التوسيع الذي أصبح، ويا للأسف، أمرا واقعا، وبالتالي اندفاعته تنم عن خوف وعدم ثقة وليس عن قوة ورباطة جأش، خصوصا انه اختبر ردود إسرائيل وعدم اكتراثها لمقولات وحدة الساحات والردع.
وكان يفترض بـ«حزب الله» ان يقرأ جيدا ثلاثة أمور أساسية:
الأمر الأول، استهداف الحديدة والضاحية وطهران لا تقتصر خطورته على تجاوز خطوط الحمر كلها، إنما خطورته الأساسية تكمن في ان من يصعِّد بهذا الشكل يعني انه يريد استدرج خصمه إلى ساحة المواجهة الكبرى، وهذا ما يفسِّر التأخير في ردّ الحزب تجنبا لإعطاء إسرائيل حجة التوسيع التي تريدها الأخيرة ولا يريدها الحزب ولا إيران.
الأمر الثاني، حاجة بنيامين نتانياهو إلى التصعيد لا التهدئة، والأهم حاجته إلى إثبات قدرته أمام شعبه على استعادة قوة الردع التي خلخلتها «حماس» في عملية 7 تشرين، وقد استعادها جزئيا في المرحلة الأخيرة ولن يتوقّف قبل ان يستعيدها كاملةً.
الأمر الثالث، إصرار نتنياهو على إزالة خطر «حزب الله» على حدوده الشمالية والذي كرره في خطابه أمام الكونغرس الأميركي، ما يعني وضعه في مصاف الأهداف الاستراتيجية التي لن يتراجع عنها.
فلو قرأ الحزب جيدا هذه الأمور لكان ضبط انفعاليته الناتجة عن حاجته إلى إعطاء جرعة معنويات لبيئته المصدومة من قدرة الجيش الإسرائيلي على النيل من كوادره، ولكن هذه التنظيمات بطبيعتها لا تفقه التراجع خطوة إلى الوراء ولا حتى الحفاظ على تموضعها، إنما تندفع إلى الأمام في استدرج مقصود من خصمها، وهذا ما يجعلها في عين العاصفة دائماً.
وكان من مصلحة «حزب الله» ان يُبقي على انطباع امتلاكه لأنفاق لا أحد يشكِّك في وجودها، ولكن من دون الكشف عنها والذي سيورِّطه في ردّ إسرائيلي لا محالة، فضلا عن انه يولِّد نقزة داخلية إضافية سببها عدم تقبُّل البيئات الطائفية والمدنية وجود حالة تشكل خطرا عليها وعلى البلد ويستحيل التعايش معها، ولكن ما بين بيئته المتعطشة إلى مشهد قوة، وما بين اعتقاده ان خطوة من هذا القبيل تردع إسرائيل عن توسيع الحرب، اندفع في خطوة غير محسوبة على غرار خطوة حرب المساندة.
وفي سياق هذا المشهد كله يمكن التوقُّف أمام ثلاث عبر او خلاصات توصّل إليها المجتمع الدولي على أثر تجربة حرب تموز 2006:
العبرة الأولى والأساسية التي اتعظت منها إسرائيل وأميركا والمجتمع الدولي كله ان أكبر خطأ ارتكب في العام 2006 كان في إسناد مهمة تنفيذ القرار 1701 للحكومة اللبنانية، لأن مهمة من هذا القبيل أكبر بكثير من قدرة الحكومة على تنفيذها في ظل ترسانة «حزب الله» العسكرية، إذ ما ان انتهت الحرب حتى استعاد سيطرته العسكرية خلافا للقرار الجديد، وهذا الخطأ لن يتكرّر هذه المرة باعتبار ان تكراره يعني التنفيذ الصوري مجددا للقرار الدولي، ويعني التهيئة لحرب جديدة، وبالتالي المجتمع الدولي سيضمن بنفسه تنفيذ القرار وسلامة الحدود، الأمر الذي سيُفقد إيران للمرة الأولى الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
العبرة الثانية ان احتفاظ «حزب الله» بسلاحه يعني تهيئة الأرضية عاجلا أم آجلا لحرب جديدة، لأنه لا يكفي إبعاده عن الحدود، إذ سيحوِّل تلقائيا الحدود التي أُبعد إليها إلى حدود إعادة بناء ترسانته والتحضير لعملياته العسكرية، وبالتالي تنفيذ القرار 1701 يتطلّب قبل اي شيء تنفيذ القرار 1559، وما لم ينفّذ القرار 1559 فإن القرار 1701 لن ينفّذ بدوره.
العبرة الثالثة ان عضوية لبنان في المجتمع الدولي ومساعدته ماليا شرطهما الالتزام بالقرارات الدولية، ولن تحظى اي سلطة بالغطاء الدولي ما لم تتقيّد عمليا لا لفظيا بالقرارات الدولية، لأن هذا الاستسهال جعل من لبنان بؤرة متفجرة ومزعزعة للاستقرار الإقليمي.
وعليه، فإن لبنان أمام فرصة حقيقية وتاريخية بان تكون الحرب الأخيرة آخر حروبه، وان ينطلق من بعدها مسار الدولة الفعلي الذي غُيِّب منذ 13 نيسان 1975، فهل يسلك مسار الدولة طريقه ام يصطدم بمطبات وعوائق تعيد عقارب الساعة إلى الوراء على غرار ما حصل مع اغتيال الرئيس بشير الجميل، والانقلاب على اتفاق الطائف، وإجهاض مفاعيل انتفاضة الاستقلال؟
المصدر: شارل جبور – الجمهورية
**How Will Lebanon’s Last War Be?**
Lebanese citizens are less concerned about whether the “Al-Aqsa Flood” war will be Israel's last conflict. What matters to them is whether it will be the final war in which Lebanon is dragged. But is this possible, and how?
There are no signs that the end of the Gaza war will pave the way for a two-state solution. Besides Israel's efforts to displace and expel Palestinians, the “Al-Aqsa Flood” war has further deepened the mistrust between the two sides. As a result, it is highly unlikely that this war will end with a settlement that resolves the Palestinian issue.
Unless the Palestinian issue is resolved, Iran will continue to exploit it as a strategic card, meaning Lebanon will remain a battleground influenced by Hezbollah in ways that serve Iran's interests. Ironically, Israel indirectly serves this project by refusing to recognize a Palestinian state. Such recognition would lead to Arab-Israeli normalization, stripping Hezbollah of its so-called resistance. It's important to note that Lebanon hosted the 2002 Arab League summit in Beirut, where Arab states unanimously agreed on “normalization in exchange for a two-state solution” and “land for peace.”
Tel Aviv believes it can secure its existence and protect its people through force, not peace. However, decades of conflict have shown that this approach is ineffective without a parallel peace process leading to a genuine Palestinian state. Otherwise, Israel will remain trapped in a cycle of continuous wars. Unfortunately, there are no indicators on the ground that a settlement is near, especially with an Israeli government focused on restoring its deterrence capabilities, which were damaged during the “Al-Aqsa Flood” operation. Thus, a two-state solution remains distant, and Israel's immediate priorities are threefold: destroying the remaining military capabilities of Hamas, ensuring the security of northern Israel even at the cost of a wide-scale war with Hezbollah, and exerting pressure on Iran to thwart its nuclear program and limit its regional influence.
If Israel succeeds in militarily and politically neutralizing Hamas and removing Hezbollah's threat from its borders, it could ensure its security for years or decades. However, this doesn't necessarily mean that the current conflict will be Israel's last war. This war has demonstrated that Tehran does not pose a direct threat to Tel Aviv, as the U.S. military has effectively deterred it. Certainly, the “Al-Aqsa Flood” incident will prompt Tel Aviv to strengthen its defenses to prevent a repeat of the events of October 7. It's clear that the pre-Gaza war era will not return, neither within Israel nor on its northern borders. Therefore, any military or political arrangements will be aimed at ensuring that there is no return to the pre-war status quo.
It is now evident that Hezbollah’s decision to engage in a support war was seen as the least costly option compared to staying out of the conflict altogether or declaring full involvement from the start. However, what Hezbollah did not anticipate was the duration of the war and Israel’s technological advancements. This miscalculation has left Hezbollah exhausted and turned it into a primary Israeli target, similar to Hamas. Moreover, the recent mistake of releasing the “Imad 4” tunnel video will only increase Israel's resolve to eliminate Hezbollah's threat, contrary to Hezbollah's belief that the video could create a deterrence balance that would prevent Tel Aviv from expanding the war it fears. The timing of this video's release suggests a fear of war escalation, which has unfortunately become inevitable, and Hezbollah’s actions reflect anxiety and uncertainty rather than strength and composure, especially since it has tested Israel's responses and found them unshaken by slogans of unity and deterrence.
Hezbollah should have carefully considered three key points:
1. **The Danger of Escalation:** Targeting Al-Hodeidah, Dahiyeh, and Tehran crosses all red lines. The real danger lies in the fact that such escalation indicates that the adversary is trying to lure Hezbollah into a major confrontation, explaining the delay in Hezbollah’s response to avoid giving Israel an excuse to expand the war, which Israel desires while Hezbollah and Iran do not.
2. **Netanyahu’s Need for Escalation:** Benjamin Netanyahu needs escalation, not de-escalation. More importantly, he needs to prove his ability to restore the deterrence that was undermined by Hamas on October 7. He has partially restored it recently and will not stop until it is fully restored.
3. **Netanyahu’s Determination:** Netanyahu is determined to eliminate Hezbollah's threat on Israel's northern border, as reiterated in his speech before the U.S. Congress. This makes Hezbollah a strategic target that Netanyahu will not back down from pursuing.
Had Hezbollah understood these points better, it might have controlled its impulsiveness, driven by the need to boost the morale of its community, which has been shocked by the Israeli army’s ability to strike its cadres. However, these organizations by their nature do not understand the concept of stepping back or even maintaining their position; instead, they push forward, often falling into a trap set by their adversaries, which keeps them perpetually in the eye of the storm.
It would have been in Hezbollah’s interest to maintain the impression of having tunnels without revealing them, as this inevitably invites an Israeli response. Furthermore, this move has increased internal anxiety, as the Lebanese people and various sectarian communities find it difficult to accept the existence of an entity that poses a threat to them and the country, making coexistence impossible. However, between Hezbollah’s community thirsting for a show of strength and its belief that such a move could deter Israel from expanding the war, Hezbollah acted rashly, much like its decision to engage in a support war.
In this context, it’s important to reflect on three lessons the international community learned from the 2006 July War:
1. **Implementation of International Resolutions:** The biggest mistake in 2006 was assigning the implementation of UN Resolution 1701 to the Lebanese government. This task was far beyond the government's capabilities given Hezbollah's military arsenal. Immediately after the war, Hezbollah resumed its military control in violation of the resolution. This mistake will not be repeated, as repeating it would mean another superficial implementation of the international resolution, leading to preparations for a new war. Therefore, the international community will ensure the resolution's implementation and the security of the borders itself, which will, for the first time, deprive Iran of its access to Israel through Lebanon.
2. **Disarmament of Hezbollah:** As long as Hezbollah retains its weapons, the groundwork for a new war will inevitably be laid sooner or later. It’s not enough to push Hezbollah away from the borders; it will automatically turn the new border areas into zones for rebuilding its arsenal and preparing for military operations. Therefore, implementing Resolution 1701 requires, first and foremost, the implementation of Resolution 1559. Without the implementation of Resolution 1559, Resolution 1701 cannot be effectively enforced.
3. **Lebanon’s International Standing:** Lebanon's membership in the international community and its financial aid are conditional on adherence to international resolutions. No authority in Lebanon will receive international support unless it genuinely complies with international resolutions, as the previous leniency has turned Lebanon into a volatile and destabilizing entity for the region.
Therefore, Lebanon stands at a critical and historic crossroads, where the current war could be its last, paving the way for the re-establishment of the state that has been absent since April 13, 1975. The question remains: Will Lebanon follow the path of statehood, or will it face obstacles and setbacks that turn back the clock, similar to what happened with the assassination of President Bashir Gemayel, the overturning of the Taif Agreement, and the suppression of the Independence Uprising?
translated by international scopes team