كشفت دراسة حديثة أعدها خبراء من الجامعة الأميركية في بيروت عن تجاوز مستويات التلوث في العاصمة، الأرقام القياسية لمنظمة الصحة العالمية بثلاثة أضعاف تقريباً، وذلك بسبب الاعتماد المفرط على مولدات الكهرباء “الديزل” خلال السنوات الخمس الماضية حتى وصل إلى 20 ساعة يومياً في ظل الانقطاع المتواصل للتغذية الكهربائية، ما أدى إلى ازدياد خطر الإصابة بالسرطان لدى السكان.
وتناولت الدراسة جانبين أساسين: الأول، الجزيئيات التي تترسب في الرئة وتسبب أمراض التنفس، والثاني، المواد المسرطنة الموجودة في هذه الجزيئات، حيث تبين وجود مواد مسرطنة سببها انبعاثات المولدات الخاصة.
وفي الإطار أكدت نجاة صليبا عالمة كيمياء الغلاف الجوي في الجامعة الأميركية والنائب في البرلمان اللبناني التي أشرفت على الدراسة أنّ خطر الاصابة بالسرطان ارتفع إلى أكثر من 53% خلال الفترة الممتدة بين عام 2017 و2023 وهو أمر يستدعي القلق ويدعو إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه المعضلة. بعد أن زادت ساعات تشغيل المولدات من 3 ساعات يومياً إلى 20 ساعة.
وتنتشر المولدات الكهربائية التي حلت مكان الدولة لتأمين الكهرباء في المناطق اللبنانية كافة في ظل غياب الرقابة البلدية، حتى وصل عددها في بيروت الإدارية إلى 9 آلاف مولد تقريباً، وبات المواطن وسلامته رهن قرارات أصحابها، خصوصاً وأنها موجودة في أماكن قريبة من المباني السكنية ويمكن للمواطنين سماع أصواتها وتنشق دخانها ورؤيتها في الشوارع و”على عينك يا مسؤول”، حتى نما القطاع على حساب صحة المواطن.
وهنا تقول صليبا: “غذّت الدولة اللبنانية مافيا أصحاب المولدات الخاصة وشجعتهم على التمادي والعمل خارج إطار القانون، كما سمحت لهم بارتكاب إبادة جماعية بحق الشعب اللبناني خصوصاً وأنّ الانبعاثات الصادرة عن المولدات تشكل مصدراً أساسياً لزيادة خطر الإصابة بالسرطان”.
وتضيف صليبا: ” لأن إنتاج الكهرباء وبيعها حق حصري للدولة فهي مستمرة في تبني سياسات ترسخ الاعتماد على النفط والمولدات في وقت تحاول جميع دول العالم التحول إلى الطاقة المتجددة.
من جهته، يؤكد وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين أنّ “وزارة البيئة أصدرت في الخريف الماضي إرشادات بشأن وضع فلاتر للمولدات الكهربائية ومن ثم حدثتها وعممتها في التعميم رقم ٤ الصادر في ٨ آب الجاري، وطلبت الوزارة من المحافظين والادارات المحلية تطبيقها على المولدات الكبيرة و المتوسطة الحجم العاملة في نطاقها. وقد عمم بعض المحافظين، خصوصاً في بيروت، هذه الإرشادات للتقيد بها، كما أجرت وزارة البيئة ورشة عمل مع كل المعنيين من الإدارات المحلية والمدعيين العامين البيئيين من أجل حسن التطبيق. والعمل انطلق مع إرسال إنذارات لمشغلي المولدات الكبيرة في المرحلة الأولى.”
ويلفت ياسين إلى أن “وزارة البيئة تولي موضوع نوعية الهواء أهمية كبيرة حيث أصدرت في شباط ٢٠٢٢ القرار ١٦/١، والذي يعتمد قيماً حدية جديدة ومحدثة لتخفيض الانبعاثات من قطاعي الصناعة والطاقة، بما فيها المولدات الكهربائية، يطبق على مرحلتين ابتداءً من شباط ٢٠٢٣، ويأخذ بعين الاعتبار المعايير والارشادات العالمية. ”
ويضيف: “كما تعمل الوزارة على إعادة تأهيل و تشغيل محطات رصد الهواء بشكل تدريجي، والتي كانت قد توقفت عن العمل منذ منتصف ٢٠١٩، وذلك بعد أن تمكنت من الاستحصال على هبة من مرفق البيئة العالمي بالتعاون مع البنك الدولي. في نفس الوقت، قامت الوزارة بوضع إعفاءات جمركية و تخفيض رسوم على السيارات الكهربائية و المدمجة في موازنة ٢٠٢٤ بهدف التخفيف من تلوث الهواء الناتج عن قطاع النقل”.
وفيما يقول أطباء الأورام أن دخان المولدات الكهربائية وانبعاثاتها من أخطر الغازات السامة التي تتسبب بزيادة خطر الاصابة بالسرطان وأن معدلات التشخيص الإيجابي بالمرض آخذة في الارتفاع، لفت هاني نصار رئيس جمعية بربارة نصار أنّ عدد المصابين بسرطان الرئة وسرطان الثدي وسرطان المثانة البولية قد زاد خلال الفترة الماضية، كما وأننا نسجل ارتفاعاً ملحوظاً بنسة إصابات النساء دون سن الثلاثين بسرطان الثدي.
كما شدد على ضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة من الدولة وتطبيق القوانين الصارمة بحق المخالفين وفرض غرامات عليهم على أن تعود هذه الأموال لدعم مرضى السرطان ومساعدتهم في تأمين العلاج بما أن مولداتهم والدخان المنبعث منها من أبرز المسببات للمرض.
المصدر: ندى الحلاق – هنا لبنان