جاء في صحيفة “اللواء”:
رغم ان موضوع وحدة الساحات أثار ولا يزال الجدل في لبنان والنقاش والهجمات، إلّا انه بالنسبة إلى السنّة ناهيك عن الشيعة، أقلّ حدّة مما هو مثلا لدى الشرائح المسيحية التي ترفضه في شبه إجماع شعبي وسياسي وديني.
والحال ان حالة سوء الفهم بين هذه الشرائح السنية التي نتحدث عنها وهي شرائح محافظة إلى متدينة وكثير منها مستقل ولا ينتمي إلى أحزاب أو بيوتات سياسية، تعود الى خيارات كبرى اتخذها “حزب الله” منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري العام 2005، واصطفافه في وجه المد العاطفي السنّي، ثم قراره الكبير بالقتال في سوريا مرورا بوقوفه في وجه حراك 17 تشرين ثم التحقيق في انفجار المرفأ مرورا بعلاقته المتذبذبة بالرئيس سعد الحريري والمتراجعة بـ”الجماعة الاسلامية” والتجمعات السنية الصغرى ذات التوجه المذهبي.
عمّق الحزب والسنّة هذه الفجوة طيلة السنوات الماضية التي خرقها موقف سنّي متعاطف في حرب تموز العام 2006، سرعان ما تلاشى مع محاولة الحزب إسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الشارع ومن بعده طبعا تاريخ 7 أيار (هو في الحقيقة 8 أيار) 2008.
راكم السنّة شعور التيه وافتقاد المرجعية مع غياب الحريرية، وإن كانت التعددية على الساحة السنية ليست بالضرورة سيئة فهي الساحة التي يمكن ان تشكّل فعلاً مثالاً يحتذى للطوائف الكبرى في التنوّع حتى مع افتقاد القائد الجامع لها. واليوم ثمة تعاطف سنّي عام مع الفلسطينيين في مأساتهم وتقدير لمن يؤازرهم، إذا ما استثنينا، حسب متابعين في الساحة السنية الإسلامية والمحافظة، شرائح متطرفة وسلفية وأخرى مخضرمة ترفض أي تقارب مع “حزب الله” وتستدعي الماضي وتفصل القضية الفلسطينية عن “المشروع الإيراني الفارسي التوسّعي” حتى لا نقول أكثر، علما انه بحسب المتابعين أنفسهم، فإن بعض السلفيين لا يحبون “حماس” وهم اعتبروا زعيمها الراحل إسماعيل هنية بيدقا بيد هذا المشروع، ووجهة النظر هذه تمثل أقلية كبيرة ذات صوت مرتفع.
على ان الأسباب التي عدلت من المزاج السنّي تقوم على ان “حزب الله” “وقف مع فلسطين ومع غزة في الوقت الذي تآمر فيه العالم كله عليهما”. وأن “غزة وفلسطين لا شيعة فيهما بينما تساند أكبر مقاومة شيعية مقاومة سنية”. وأنه “وسط تخاذل العالم العربي كله مدّت إيران يد العون بالسلاح وبالخبرة وبالتدريب ولها شكر كبير ويد كبيرة بصمود المقاومة في فلسطين”. و”لا يجوز لا شرعيا ولا دينيا ولا أخلاقيا الطعن بالظهر اليوم”، لذا فإن المآخذ على الحزب مؤجلة إلى ما بعد انتهاء الحرب.
هذه العوامل خلقت جوا جديدا في “الجماعة الإسلامية” مثلا، خصوصاً بعد ارتفاع عدد الشهداء السنّة وسيلان الدماء لينتقل موقف البعض من “أننا لسنا بحجم “حزب الله” وليس لدينا بنية تحتية قادرة على المواجهة ولا قوة ورائنا وأي عملية عسكرية ضدنا قد توجّه لنا ضربة قاصمة”، إلى حسم الأمر لجهة معادلة الردع “فالمجتمع الدولي لا يساند الضعيف و لبنان سيليه الدور في حال سقوط غزة” وهو التقدير نفسه بالنسبة إلى الحزب الذي دفعه إلى فتح الجبهة جنوباً.
على أن الشرائح السياسية والمتدينة سنّياً هي التي أخذت على عاتقها المشاركة في الحرب جنوبا وهي أصلا معنية بالدفاع عن مناطق سنية متاخمة لفلسطين ما دفع الجماعة سريعا للمشاركة عبر جناحها العسكري “قوات الفجر”. بل ان الأمر تعدّى الحركة ليشمل شيئا فشيئا اخواتها وكل من يدور في فلكها مثل “جمعية الإرشاد والإصلاح” و”الاتحاد الإسلامي” واستقطبت الفجر عناصر جديدة وزاد عددها وثمة من يقول هنا بأنها قاربت الألف عنصر، مع تصاعد الدعم الخارجي لها بالمال وبالسلاح من قبل المتعاطفين مع الجماعة.
في الأثناء شملت أجواء التعاطف مع المعركة حتى من يدور في فلك دار الفتوى بغض النظر عن الموقف الرسمي الذي يؤازر أصلا الفلسطينيين، مثل الشيخ أمين الكردي ومفتي طرابلس والشمال محمد إمام ومفتي زحلة والبقاع الشيخ علي الغزاوي وقبلهم الشيخ المثير للجدل حسن مرعب الذي لطالما كان مهاجما لـ”حزب الله”.
يقدّر المتابعون نسبة المؤيدين لوحدة الساحات سنّيا بالسبعين في المئة ما يثير قلق مجموعات مخاصمة للحزب مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وحتى معارضين له من نواب وشخصيات مسيحية وغيرها قلقة من تصاعد نفوذ الحزب في البيئة السنية على حساب المتعاطفين مع ما كان يطلق عليه بـ 14 آذار الذين ضعفوا جدا سنيا وداخل “الجماعة الإسلامية”.
وسط كل ذلك يطرح السؤال الأكبر: كيف سنحافظ على التقارب السنّي – الشيعي بعد انتهاء الحرب؟
لذا شرع المقرّبون من “حزب الله” و”الجماعة الإسلامية” من شخصيات ومشايخ وصحافيين وكتّاب وناشطين في لقاءات بعضها بين الأروقة المغلقة وهي كلها شخصيات تدور في الفلك الاسلامي، بهدف الحفاظ على هذه اللحمة وتحضير الأرضية للمستقبل. وثمة طرح لأسئلة جوهرية تتعلق بالكيان وبمستقبله وبالتعايش الهش بين طوائفه.
وقد يكون التقارب أسهل سنّيا منه لدى طوائف أخرى، فالشريحة الكبرى في الطائفة هي من المستقلين تتعاطف مع حرب “حزب الله” لكنها تتباين في تقدير موقفها في حال توسّع الحرب دماراً وقتلا. وهو ما سيعود إلى تقدير “حزب الله” نفسه الذي تأنّى كثيرا في الرد لاختيار الأهداف بدقة ولعدم توفير الذريعة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ومن معه لضرب البنية التحتية اللبنانية والمدنيين.
المصدر: اللواء