في البحث لانشاء الصندوق السيادي لاعادة اموال المودعين ورغم ان لدينا ملاحظت اساسية على المشروع ) اي ان تسبقه كشف اوضاع المصارف والمركزي والاجابة عن الاسئلة التي ذكرناها سابقا)، الا ان ما لفتنا هو ان في اساس الاعتراضات عليه هو ان صندوق مستقل ينتهك صلاحيات وزارة المالية وهي محسوبة على الطائفة الشيعية.
وهذا يعيدنا الى طرح اساسي وهو ان المراكز والمناصب في لبنان تعتبر جوائز ومكاسب لطوائف و/او فئات معينة ، وليس هدفها الخدمة العامة لمصلحة المجتمع ككل.
بعد ما مررنا به من كوارث اقتصادية، علينا اعادة النظر بمفهوم هذه المناصب والوظائف،
مناصب الدولة ليست جائزة او مكسب ، أو مهنة تطبع الأشخاص، بل وجدت لتكون خدمة للمجتمع واننا نقترح ان تكون هذه الوظائف لفترة زمنية محددة ( بحسب المنصب او الوظيفة وتترواح بين سنة وأقصاها ست سنوات). فيتطوع من كان ناجحاً في عمله ويملك الخبرة، ليخدم بلده لفترة معينة ويعود بعدها لاستكمال مسيرته العملية والإنتاجية وغيرها. وبالطبع يُشترط بمن يود القيام بهذه المهمة ان يكون ناجحاً لانّه ببساطة، من يريد ان يدّل الناس الى الطريق، المفروض ان يكون قد سار على هذه الطريق. والخدمة يجب ان تكون دائما تحت اضواء الشفافية . نذكر ان الشفافية هي الرادع الاساسي للفساد.
ونود اعادة التذكير بلوشيوس كوينكتيوس سنسيناتوس Lucius Quinctius Cincinnatus، والذي تحوّل رمزاً للخدمة والفضيلة المدنية، كان رجل دولة رومانياً وقائداً عسكرياً. بعد تركه الحياة السياسية رجع الى مزرعته . حصلت ازمة عسكرية لروما وبالرغم من سنه الكبير طُلب منه العودة لترؤس منصب ديكتاتور (اي امتلاكه لصلاحيات مطلقة)، ووافق ان يقدم هذه الخدمة لبلده و حشد جيشاً كبيرا و حقق انتصاراً خاطفاً و سريعاً جداً، وبالرغم من ان مدة حكمه كديكتاتور طويلة تخلى عن سلطته وامتيازاته ورفض اي مكافآت وعاد إلى مزرعته بعد 15 يوماً من انتصاره . ويُشار إلى نجاحه واستقالته الفورية من سلطته شبه المطلقة (التي يرجع تاريخها تقليدياً إلى 458 قبل الميلاد) كمثال على القيادة المتميزة، والخدمة من أجل الخير الأكبر، والفضيلة المدنية، والتواضع.
اما في لبنان فالمناصب يتم تقاسمها بين الطوائف والفئات لفترات طويلة حيث تتحكم كل طائفة او فئة بمملكتها من دون محاسبة او تقييم للاداء ، ومن العار ان لدينا تسمية وزارات سيادية وكأن هذه الوزارت وجدت للتحكم وليس لخدمة المجتمع،
ومن المعيب ان لدينا تسمية وزارات خدماتية يتقاتل عليها ارباب الطوائف لخدمة اتباعهم لاهداف انتخابية وكانها وزارات للسمسرة وتحقيق المكاسب.
ان وجود هذه التسميات هو دليل واضح اننا لا نفهم ما هي الخدمة المدنية ودور المناصب والوظائف.
هذه الممارسات لا تصلح لبناء مجتمع منتج ولن تتحقق الفعالية اذا بقيت هذه العقلية ، واذا كان لا بد من التقسيم الطائقي ، فعلينا ان نحقق المداورة في المناصب والوظائف طائفيا مع اقرار فترة زمنية محددة كما ذكرنا اعلاه لكل منصب ووظيفة غير قابلة للتمديد والتجديد. والاهم ان المداورة وتحديد الفترة الزمنية لا تنفع وحدها من دون شفافية مطلقة وبيانات مفتوحة لمراقبة الاداء مباشرة من الشعب.
ونكرر ان مع تحقيق المداورة وحصر المنصب بمهلة زمنية ، يجب اقرار الشفافية المطلقة التي يجب ان تكون السلاح الاساسي في يد المواطن ليُراقب عمل من تَعهّد القيام بخدمة المجتمع، فالمواطن هو صاحب المصلحة وهو مصدر السلطات حيث وجدت المناصب لخدمته وليس للتحكّم به.. و اذا تحقق حلمنا هذا ، هل ستخف شهية الكثيرون في التقاتل لاستلام هذه المناصب والمركز؟
وعلى هامش المقال السابق، جاءتنا تعليقات حول طلب تقرير الفاريس ومارسال بواسطة القانون الحالي اي قانون الحق في الحصول على المعلومات ، وهو ما سنقوم به وسنضعكم في صورة رد الادارات المعنية على طلبنا.
المصدر: فادي عبود – الجمهورية