لم يكن الاقتصاد الإسرائيلي في أي وقت من الأوقات متضرراً ومعرضاً لمجموعة كبيرة من المخاطر والأزمات غير التقليدية كما هو اليوم٬ حيث تعطل الاقتصاد وتكبد خسائر فادحة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وأظهرت معطيات بنك إسرائيل ووزارة المالية الإسرائيلية أن تكلفة الحرب منذ 7 تشرين الأول حتى نهاية آذار 2024 فقط بلغت أكثر من 270 مليار شيكل (73 مليار دولار).
فيما تشير تقديرات البنك المركزي إلى أن تكلفة الحرب وحدها في غزة مع احتياجات الجيش٬ ستصل إلى أكثر من 67 مليار دولار حتى نهاية العام، أو ما يقرب من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
وفي الوقت نفسه٬ بدأت قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي المرهقة أساساً٬ في ترقب تطورات الأوضاع على الحدود الشمالية مع لبنان، التي تشهد تصعيداً مطرداً منذ قرابة الشهر، وسط مخاوف من تحول الاشتباكات اليومية المحدودة بين حزب الله وتل أبيب إلى حرب مفتوحة تشل أركان الاقتصاد.
حتى اليوم، لا تزال غالبية القطاعات الاقتصادية في إسرائيل تعاني من تبعات الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ تشرين الأول الماضي، وأبرزها قطاعا السياحة والإنشاءات، وبدرجة أقل قطاعي الخدمات والزراعة.
إلا أن المخاوف الأكبر لدى الإسرائيليين هو بنك الأهداف المعلن لدى “حزب الله” ضد مواقع استراتيجية، وهو ما ظهر في فيديو أعده الحزب يكشف تفاصيل دقيقة لأبرز المواقع الحيوية التي قد يستهدفها في أي حرب مقبلة.
وبالعودة إلى حرب عام 2006 مع حزب الله، فإن التبعات الاقتصادية والسياسية كانت شديدة التأثير على إسرائيل في ذلك الوقت. ويخشى الإسرائيليون اليوم من أن تصعيد التوتر في الشمال إلى حرب يعني أن الكلفة التي ستدفعها إسرائيل ستكون مرعبة وستزيد عن الكلفة الحالية التي تتسبب بها الحرب على غزة.
في قطاع الكهرباء، كشف شاؤول جولدشتاين الرئيس التنفيذي لشركة نوجا لإدارة أنظمة الكهرباء، أن انقطاع الكهرباء في إسرائيل لمدة 72 ساعة سيجعل العيش مستحيلاً، وأن “حزب الله” يمكنه أن يضرب الشبكة الإسرائيلية بسهولة.
هذه التصريحات التي صدرت عن جولدشتاين الأسبوع الماضي في فعالية اقتصادية، لاقت صدى واسعاً وصل حد الدعوة إلى إقالته من منصبه.
ولا تعاني إسرائيل حالياً من نقص في الكهرباء، رغم أن مثل هذا النقص قد ينشأ بين عامي 2028 و2029 بحسب تقديرات وزارة الطاقة.
في الوقت نفسه، تعاني إسرائيل من مشكلة مزمنة في صناعة الطاقة، وهي الفشل في تحقيق أهداف الإنتاج من الطاقة المتجددة التي حددتها الدولة لنفسها، بحسب ما أوردته هذا الأسبوع صحيفة غلوبس المختصة بالاقتصاد.
كذلك، تعاني إسرائيل من أزمة مركزية في قطاع الطاقة، إذ تعتمد على عدد قليل من محطات الطاقة الكبيرة، وغياب محطات الطاقة الصغيرة، وهو ما يجعلها عرضة للظلام في حال ضرب هذه المنشآت من جانب “حزب الله”.
بعد 9 شهور على الحرب على قطاع غزة، تعاني إسرائيل من تراجع بنسبة 80٪ بحركة السياحة الوافدة، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي.
بلغ عدد السياح الذين زاروا إسرائيل في الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري 400 ألف – بما يشمل الزوار من غير السياح لأغراض العمل على سبيل المثال – نزولاً من مليوني سائح خلال الفترة نفسها من العام 2023.
لا تزال عشرات شركات الطيران العالمية، تعلق رحلاتها من وإلى إسرائيل بسبب الحرب، وسط نفور السياحة من إسرائيل كقبلة لهم.
ومع فرضية الحرب في الشمال، فإن مطاري “بن غوريون” وحيفا، سيكونان ضمن بنك أهداف “حزب الله”، كما ظهر في الفيديو الأخير الذي يكشف أبرز المواقع الحيوية في إسرائيل.
يعني ذلك، أن البلاد لن تكون في وارد القدرة على استقبال رحلات طيران، سواء مدنية أو عسكرية في مطارات الشمال والوسط، بينما يبقى مطار رامون (جنوب) قادراً على العمل، إلا أنه وقع هو الآخر ضمن أهداف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
أما الزراعة، فلا تزال المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، أو كما يفضل الإسرائيليون تسميتها بـ “سلة غذاء إسرائيل”، مناطق عسكرية مغلقة، رغم تشجيع الحكومة للمستوطنين هناك بالعودة إلى منازلهم.
لكن الأزمة الأكبر، والتي تعاني منها إسرائيل اليوم أن مناطق الشمال والتي تتميز بتربتها الخصبة، أصبحت منذ تشرين الأول، مناطق عسكرية أو أراضي غير قابلة للاستغلال في ظل القصف المتبادل مع حزب الله.
وبينما لم تبدأ الحرب في الشمال إلا أن قادة الأعمال في إسرائيل محبطون من إدارة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ما دفع البعض منهم إلى التفكير في دخول السياسة لمنافسته.
والأسبوع الماضي، دعا منتدى ضم أكبر 200 رجل أعمال في إسرائيل، يتألف من مالكي ورؤساء ورؤساء تنفيذيين لشركات كبرى، إلى إجراء انتخابات مبكرة “لإنقاذ إسرائيل من أزمة اقتصادية عميقة”.
وضم المنتدى في تل أبيب نصف الشركات المدرجة في مؤشر بورصة تل أبيب TA-35، بمن في ذلك الرؤساء التنفيذيون لأكبر البنوك العاملة في إسرائيل.
وانخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 لأول مرة منذ ثماني سنوات، وفقاً لصندوق النقد الدولي، فيما تتجه الحكومة هذا العام إلى تسجيل أحد أكبر العجوزات في ميزانيتها هذا القرن في 2024.
المصدر: ليبانون ديبايت
