لا تقييم للمصارف بل ميزانيات قديمة
تمكّن الثلاثي نجيب ميقاتي، وسيم منصوري وميّة الدبّاغ، من خداع نواب تقدّموا بسؤال إلى الحكومة بشأن «تقييم أوضاع المصارف». فالثلاثة ارتأوا، أن ما يجب إرساله إلى ممثلي الشعب هو جدول من ورقة واحدة يتضمّن معلومات مجمّعة عن المصارف تعود إلى 30/11/2022، أي قبل أن تتعدّل ميزانيات المصارف وفق سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة، وقبل أن يتم تضمينها فروقات تقييم العقارات التي تملكها المصارف أو التي استملكتها مقابل قروض. هذه الخديعة تشير بوضوح إلى درجة الاستخفاف بالنواب وآليات ممثّلي السلطة في التعامل مع العموم.في 28/12/2023 تقدّم ثلاثة نواب هم مارك ضوّ، وضّاح الصادق وميشال الدويهي، بسؤال إلى الحكومة بشأن تقييم أوضاع المصارف يتألف من شقين:
– هل قامت الحكومة بطلب المعلومات المتعلقة بتقييم أوضاع المصارف من لجنة الرقابة على المصارف؟ هل حصلت عليها؟
– في حال كانت الحكومة قد حصلت على هذه المعلومات، هل لدى الحكومة أي تصوّر حول آلية استرداد الودائع والمدّة الزمنية المتوقّعة لذلك؟
الإجابة أتت في 8/1/2024 على شكل ملف من صفحة واحدة فيه جدول بميزانيات مجمّعة للمصارف (20 بنداً موزّعة على مطلوبات وموجودات) موقّع من رئيسة لجنة الرقابة على المصارف ميّة الدبّاغ ومحال إلى حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري. والأخير أحاله في 11 كانون الثاني 2024 إلى رئيس فرع المراسم والعلاقات العامة في رئاسة مجلس الوزراء. ورئاسة مجلس الوزراء أحالته في 16/1/2024 إلى وزير المال بصيغة «للتفضّل بالاطّلاع وإيداعنا صيغة الجواب المناسب على الطلب النيابي المذكور، تمكيناً للحكومة من وضع الردّ اللازم عليه». في كل هذه المراسلات، ثمة أمر لافت في الجدول، إذ جاء معنوناً بـ «ميزانية القطاع المصرفي (30/11/2022) ومرفقاً بمراسلة من لجنة الرقابة على المصارف في 10 شباط 2023 لتزويد لجنة المال والموازنة بمعلومات تتعلق بدرس موضوع إعادة التوازن إلى النظام المالي في لبنان».
عملياً، الجدول الذي أتى جواباً على سؤال ممثلي الشعب، أُعدّ في الشهر الأخير من عام 2022 ردّاً على طلب من لجنة المال النيابية. لكنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وحاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف مية الدباغ، قرّروا استعمال الجدول ليكون بمثابة جواب رسمي قدّمه ثلاثة نواب إلى الحكومة. كما أن المبالغ بالدولار في الجدول محتسبة على أساس 1507.5 ليرات لكل دولار، والعقارات محتسبة بالقيم الدفترية.
هل يفي هذا الجدول بالسؤال النيابي؟ في الواقع، إن السؤال المطروح، بشقّيه، يشير إلى أن الهدف لا ينحصر بالاطّلاع على المعلومات المتعلقة بتقييم أوضاع المصارف، وإنما استعمال هذا التقييم بمثابة قاعدة لاستشراف آلية استرداد الودائع. وبهذا المعنى، فإن الأمر يتطلّب معلومات حديثة أو متوائمة مع التطورات في القطاع المصرفي، أي ألا تكون مفاعيلها قد استنفدت بمرور الزمن. وطبيعة السؤال تتطلب أن تكون المعلومات قد أتت بعد شباط 2023 حين تمّ احتساب ميزانيات المصارف على سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة، وبعدما تكون «صيرفة» قد توقّفت لأنها أمّنت للمصارف إيرادات نقدية بالدولار، وبعدما جرت إعادة تقييم أصول المصارف وفق سعر الصرف السوقي، سواء لمساهماتها وملكياتها في الخارج أو لمساهماتها وملكياتها في الداخل. والمساهمات والملكيات تشمل الكثير من البنود مثل الشركات والعقارات والأسهم والسندات… ثمة ملكيات تدخل في صلب رأس المال، وأخرى لا تدخل فيه مباشرة، فضلاً عن أن الجدول لا يظهر حساب المؤونات التي اتّخذتها المصارف والذي يُحتسب ضمن رأس المال.
المهم، إن الحساب التقني لهذه المعطيات يجب أن يكون مكتملاً لتحديد آلية لاسترداد الودائع إذا كان الأمر ممكناً من أساسه. لكنّ الشعبوية التي طبعت الإجابة، دفعت النواب الثلاثة إلى طرح سؤال من هذا النوع في خطوة منهم لإحراج قوى سياسية أخرى، بينما الإجابة أتت من هذه القوى التي أظهرت استخفافاً بممثلي الشعب من خلال تقديم معلومات عامة وقديمة لا يُعتدّ بها.
بالأرقام، يظهر الجدول أن هناك في صندوق المصارف 757 مليون دولار و4466 مليار ليرة (أصبحت هذه المعلومات قديمة جداً ولا معنى لها وهي متغيّرة باستمرار ولا سيما أثناء قيام المصارف بتنفيذ عمليات صيرفة). كذلك يظهر الجدول أن المصارف أودعت لدى مصرف لبنان نحو 81.7 مليار دولار و36964 مليار ليرة، وأن لديها مساهمات في شركات غير مقيمة (في الخارج) بقيمة 2.5 مليار دولار ولديها محفظة قروض للقطاع الخاص بقيمة 14.7 مليار دولار أكثر من نصفها بالليرة، ولديها محفظة عقارات متملّكة استيفاء للديون بقيمة 4 مليارات دولار. أما الأموال الخاصة فهي بلغت ما قيمته 12.2 مليار دولار، منها 10.6مليارت بالدولار والباقي يساوي 2401 مليار ليرة.
لا قرار بشأن الـ 150 دولاراً بعد
لا تتوقع مصادر مصرفية أن يصدر المجلس المركزي لمصرف لبنان التعديلات على التعميم 151 التي يرتقب أن تقضي بدفع 150 دولاراً للزبائن من حساباتهم بالدولار. وهذه المسألة كانت محور نقاش أمس في اجتماع عقد بين حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ومجلس إدارة جمعية المصارف. وقالت مصادر المجتمعين إنه لم يتم حسم أي أمر بخصوص ما هو مقترح. فهناك قسم من المصارف يوافق على إتاحة السحب من حسابات الزبائن بالدولار ضمن سقف 150 دولاراً (فريش) لكل زبون مع مبلغ يُدفع بالليرة وفق سعر صرف يتراوح بين 15 ألف ليرة لكل دولار و20 ألف ليرة، والعدد الأكبر من المصارف يقول إنه ليس قادراً على تسديد مبلغ الـ 150 دولاراً، رغم أنها ستموّل مناصفة بين مصرف لبنان والمصرف المعني. في الاجتماع، برّر منصوري كلامه مع المصارف قائلاً «تحدثت معكم أفراداً وجماعة»، ما أثار استياء بعص المصرفيين الذين اعتبروا أن منصوري والمصارف الخمسة الأكبر يتآمرون على الباقين. وفي الاجتماع، نوقشت طروحات متعلقة بالمستفيدين من التعميم الذين يشترط ألّا يكونوا قد استفادوا من التعميم 158 وألّا تكون حساباتهم مكوّنة من عمليات التجارة بالشيكات.
محمد وهبة – الاخبار
للانضمام الى مجموعتنا عبر الواتساب اضغط هتا