موقف “التيار” بعيون خصومه.. كيف أصبحت التعيينات “حلالاً”؟!
عندما أعلنت كتلة “الجمهورية القوية” نيّتها تقديم اقتراح قانون من أجل التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون تفاديًا للشغور في رأس المؤسسة العسكرية، مع بدء العدّ العكسي لانتهاء ولايته مطلع العام المقبل، لم يتأخّر “التيار الوطني الحر” في التصويب عليها، بشخص رئيسه الوزير السابق جبران باسيل الذي “سخر” ممّا وصفه بـ”المبدئية في العمل السياسي”، غامزًا من قناة انقلاب “القوات” على قناعتها بعدم جواز التشريع في ظلّ الفراغ الرئاسي.
لكن، بسلاح “المبدئية” نفسها، يُواجَه “التيار الوطني الحر” منذ يومين، على خلفيّة التسريبات التي تتحدّث عن “عروض” يقدّمها، وتتقاطع بمجملها عند “رفض” التمديد لقائد الجيش، ومن بينها أن تجري الحكومة تعيينات أصيلة في المجلس العسكري ككلّ، باقتراح من وزير الدفاع، بل إنّ بعض التقارير تحدّثت عن “إغراءات” يقدّمها “التيار” لقبول عرضه، تقوم على “مراجعة” موقفه من جلسات الحكومة في ظلّ استمرار الفراغ في سدّة الرئاسة.
هكذا، يجد خصوم “التيار” أنفسهم أمام وجبة “دسمة” للنقد، فكيف يصبح ما كان “حرامًا” في الأمس القريب “حلالاً” اليوم؟ هل هي “ضرورة” منع الشغور التي دفعت “القوات” للتراجع عن رفض “تشريع الضرورة” واعتباره “بدعة” لأساس لها في الدستور، تدفع “التيار” أيضًا للانقلاب على خياراته السابقة، ولكن من منطلق “ضرورة” إزاحة قائد الجيش من الواجهة؟ وكيف يفسّر المحسوبون على “التيار” نفسه موقفه المستجدّ؟!
التعيينات “حلال”؟!
لا يتردّد خصوم “التيار الوطني الحر” في الحديث عن “انقلاب” يقوده، ويسعى لإشراك آخرين معه فيه، على رأسهم “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لكنّهم يعتبرون أنّ هذا “الانقلاب” يصطدم بـ”مبادئ وثوابت” أوحى رئيس “التيار الوطني الحر” أنّه متمسّك بها حتى الرمق الأخير، ومن بينها اعتبار الحكومة الحالية التي يقاطع اجتماعاتها منذ عام كامل، غير قادرة على اتخاذ قرارات كبرى، من فئة التعيينات، على سبيل المثال لا الحصر.
يذكّر هؤلاء بموقف “التيار الوطني الحر” في استحقاقاتٍ مشابهة أخرى، من بينها انتهاء ولاية المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ولكن بشكل خاص انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، حين “استنفر”باسيل لتصوير الحديث عن احتمال تعيين الحكومة لـ”خليفة” له على أنّه “خطيئة أخرى”، بل “جريمة” في حقّ موقع رئاسة الجمهورية، قبل أن يُصرَف النظر عن الموضوع، ويُترَك التعيين للعهد المقبل.
لكن، بحسب التسريبات المتداولة في اليومين الماضيين، يبدو أنّ باسيل يروّج لتعيين مجلس عسكري، يشمل قائدًا جديدًا للجيش، كأحد البدائل الممكنة للتمديد للقائد الحالي جوزيف عون، وهو ما يثير استغراب خصوم “التيار”، الذين يسألون: كيف أصبحت التعيينات حلالاً اليوم؟ هل هي “ضرورة” منع الشغور في الرئاسة، أم بالأحرى “ضرورة” إزاحة عون، التي ما عاد خافيًا على أحد أنّ مشكلة باسيل معه “شخصية”، ومرتبطة بحظوظه الرئاسية؟!
موقف “التيار”
يرفض المحسوبون على “التيار” من جهتهم، التعليق على التسريبات المتتالية، لا تأكيدًا ولا نفيًا، ويكتفون بتأكيد الموقف الثابت المُعلَن لـ”الوطني الحر”، وهو المنسجم مع مبادئه وقناعاته، والقائم على شعار “لا للتمديد”، الذي يشمل قائد الجيش، تمامًا كما يشمل غيره من القادة، بمن فيهم أولئك الذين يخصّون “التيار”، ومنهم رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، الذي لم يؤيد “العونيون” التمديد له، رغم طرحه في بعض الأوساط القريبة منهم.
يقول هؤلاء إنّ المشكلة الفعلية ليست في موقف “التيار” المنسجم مع قناعاته، بل في مواقف الآخرين الذين ينقلبون على ما يصنّفونها “مبادئ وثوابت”، فقط من باب “النكايات السياسية”، على غرار “القوات اللبنانية” التي تقول إنّ مجلس النواب يصبح “هيئة ناخبة حصرًا”، وترفض أن يلتئم لأيّ سبب احترامًا للدستور، ولو ارتبط بمصالح المواطنين المباشرة، ثمّ تدعو هي إلى انعقاده من أجل الخروج عن الدستور، عبر التمديد لقائد الجيش.
بالنسبة إلى المحسوبين على “التيار”، فإنّ تعيين مجلس عسكري ليس بالضرورة طرح الوزير باسيل، وهو بالحدّ الأدنى لا يزال قيد البحث، ولكنّه يدل على أنّ هناك “بدائل مُتاحة” للتمديد لقائد الجيش، وهي أقلّ ضررًا من الناحية الدستورية، علمًا أنّه قد يكون ميّالاً إلى التعامل مع قيادة الجيش، كما حصل في مواقع شبيهة، من دون أن يؤدي ذلك إلى المسّ بـ”الموقع الماروني الثاني”، كما يوحي أولئك الذين لم يبدوا الغيرة نفسها على موقع الرئاسة، بحسب وصفهم.
بالنسبة إلى خصوم “التيار”، المشكلة في خلطه بين “الشخصي والعام”، فـ”المبدئية” عنده “وجهة نظر”، وما هو “محرّم” يصبح “حلالاً” بين ليلةٍ وضُحاها إذا ما أمّن له مصالحه وخططه. لكنّ المشكلة تتخذ وجهًا مغايرًا بالنسبة إلى “التيار” الذي يعتبر أنّ الآخرين هم من يخرقون “المبدئية”، لا لتحقيق مصالحهم فحسب، بل لمواجهة ما يعتقدونها مصلحة لـ”التيار”. وبين هؤلاء وأولئك، يبدو أن “المصلحة العامة” تبقى الغائبة الأكبر!
لبنان 24