بطاقات الهوية في لبنان «ضائعة». سابقاً، كان إصدار البطاقة لا يتطلب وقتاً. اليوم يحتاج الأمر إلى أشهر. «واقع مرير»، يقول معظم مخاتير منطقة النبطية الذين يعجزون عن تقديم أجوبة شافية لمراجعات المواطنين. «لأ ما خلصت»، عبارة يسمعها الآباء لدى مراجعتهم المختار في شأن هويّات أبنائهم.
في بلد الغرائب لبنان، لا عجب، في أن يتوقّف إصدار الهويات، بحجة إضراب الموظفين. إذ لم تربط دائرة الهويات في وزارة الداخلية الأمر بشحّ الأموال، أو غياب الإعتمادات، بل رمته في خانة الإضرابات، ما يؤخّر إنجاز مئات الطلبات المكدّسة منذ أشهر.
من الصعب على والد «علي» إتمام هويّة لابنه. تقدّم بطلب قبل خمسة أشهر، ومنذ ذلك الوقت والملف في خزائن الإنتظار. قال مختار النبطية جمال فرّان «إنّ المشكلة تتعلّق بشحّ الطلبات، بالكاد نتسلم 3 منها كل شهر، وهي لا تكفي، وتحديداً طلبات الهويات دون الـ15 عاماً». وأشار في معرض شرحه للأزمة المستجدّة إلى «أنّ الحصول على هويّة اليوم صار معجزة»، عازياً السبب إلى عوامل عدّة، منها «عدم توفّر الإعتمادات المخصصة للهويات، فكل ثلاثة أشهر يصلنا أربع أو خمس استمارات، وهي غير كافية». و»ما يزيد الطين بِلّة»، وفق المختار، هو «تأخّر إصدارها من مركز الهويات في بيروت. إذ تقدّمت بمعاملة لأحد الأولاد منذ ستة أشهر ولم تصدر حتى اليوم». يشكو مخاتير النبطية من هذا الواقع، لذلك رفعوا الصوت عالياً، علّهم يجدون جواباً شافياً، فالملف 701 المتعلق بالهويات معلّق، من دون معرفة السبب، وسط سؤال: ماذا لو جرت الإنتخابات البلدية، فهل تحلّ الأزمة بمعجزة، كما تعطّلت؟
رأى المختار محمد بيطار «أنّ الأزمة تكمن في الهويات دون سن الـ15، أما هويات البالغين فلا تتجاوز الشهر لإصدارها». وأشار إلى «ضغوط كبيرة من الأهالي للاستحصال على هويات لأولادهم». حاول المختار مراراً البحث عن حلول وتبريرات لكن «ما في جواب».
المشكلة المستعصية دفعت بمختار عربصاليم حسن حنجول إلى بحث القضية مع مسؤول الهويات في وزارة الداخلية جورج داغر. ولفت حنجول إلى أنّ «لبّ المشكلة هو في إضراب موظفي القطاع العام. في السابق كان يستلم المخاتير الهويات كل 25 يوماً. تغير المشهد، منذ سنة، لم يحصل أحد على هويات». وقال: «لديّ طلب هويّة منذ أيلول 2022».
بين إضراب القطاع العام وتأخر البريد في إيصال الطلبات، ضاعت هويات الصغار بين غياهب الدولة العاجزة، ما أصاب هذا القطاع الحيوي بشلل تام. لا يخفي حنجول «أنّ ارتفاع الطلب على الهويات زاد بسبب رغبة الأهل في زيارة سوريا، إذ يمكن الإستعاضة عن جواز السفر بالهويّة، كون اخراج القيد لا يفي بالمهمّة المطلوبة، وقد أدّى إلى ارتفاع الضغط على الهويات، واستفحال الأزمة أكثر». وكشف أنه مقابل كل 3 هويات للكبار يوجد 10 للصغار. هذا الواقع زاد الأزمة، وفضح عجز الدولة عن القيام بأبسط مهماتها الإدارية والطبيعية».
وناشد المخاتير مدير عام وزارة الداخلية العميد الياس خوري إعطاء توجيهاته إلى الدوائر المعنية في المديرية العامة للأحوال الشخصية بضرورة الإسراع في إنجاز بطاقات الهويّة، ولا سيما المتعلقة بالأطفال، طالبين تحرير الملف العالق من دون سبب.
في الخلاصة، يبدو أنّ معضلة الهويّة اليوم ليست سوى صورة مصغرة عن البلد الذي مزّقته الأزمات إلى حدّ العجز عن إصدار هويّة، ليصدق المثل القائل «نعيش في بلد الهويات الضائعة».