صرف دفعة جديدة من موظفي المصارف .. إجراء تعسفي أم قسري؟!
كان من الواضح جداً إزدياد وتيرة الصرف من العمل في السنوات الماضية وذلك على وقع إشتداد الأزمة المالية والإقتصادية التي لم يسلم منها أي قطاع من القطاعات الإقتصادية.
إلا أن نسبة الصرف إختلفت من قطاع لآخر، وذلك ربطاً بمدى التأثر بالأزمة، وهذا يفسّر كيف ان النسبة الأدنى كانت في القطاعات الإنتاجية لا سيما الصناعة الوطنية، وبشكل خاص القطاعات الحياتية مثل الصناعات الغذائية وقطاع تجارة المأكولات والسلع الأساسية، فيما ارتفعت نسبة الصرف من العمل في القطاع السياحي والخدماتي وتجارة الكماليات والسلع المعمرة وغيرها.
ومن بين هذه القطاعات، كان للقطاع المصرفي حصة الأسد من عمليات الصرف، فصحيح ان القطاع كابر في بداية الأزمة وحتى لفترة طويلة منذ بدايتها، ولم يُقدم على تجرّع “الكأس المرة” التي ستفقده خيرة الكادرات البشرية العاملة في العالم المالي والمصرفي في المنطقة، على أمل تعافيه عبر قيام الحكومة بتنفيذ مسار إنقاذي جدي متكامل وموثوق وعادل، إلا أن آمال القطاع المصرفي خابت، وحصل عكس ما يشتهيه هو وكل اللبنانيين، حيث تفاقمت الأزمة وتولّدت أزمات أخرى أكلت الأخضر واليابس.
اليوم تُقدِم بعض المصارف مرغمة وبشكل قسري على إبلاغ دفعة جديدة من موظفيها بإنهاء خدماتهم من ضمن بروتوكول يحصل على أساسه الموظف المصروف على مبالغ من الأموال تفوق بكثير التعويضات العادية المتعارف عليها أخذاً بالإعتبار الأوضاع الحياتية والمعيشية وكذلك واقع سوق العمل الصعب، كما تقول في هذا الإطار جهات معنية بالمصارف أو بعمليات الصرف على وجه التحديد.
ومن اللافت، ما تقوم به بعض الجهات بتذكية الخلاف بين الموظفين المصروفين وهذه المصارف، وتحريضهم على مؤسساتهم بإعتبار هذا الأمر بمثابة صرف تعسّفي بحق الموظفين الذين ستنهي خدماتهم.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر في القطاع المصرفي لموقع Leb Economy عن ان عمليات الصرف التي تتم حالياً هي محدودة، وهي تنفّذها مصارف لم تقم بهذه العمليات في الفترة السابقة، مؤكدة أن هذه العملية تتم إنطلاقاً من إعطاء الموظفين الذين سيتم صرفهم كامل حقوقهم وفي تعاطي إيجابي وروح عالية من المسؤولية لدى المصارف.
وفي السياق نفسه، كشف خبير إقتصادي لموقعنا ان حجم العاملين في القطاع المصرفي إنخفض من نحو 26 ألف موظف في العام 2018 الى نحو 16 ألف موظف حالياً، موضحاً ان خفض عدد العاملين لدى القطاع المصرفي ليس ترفاً، إنما قامت به المصارف مرغمة بعدما نالت الأزمة الإقتصادية، التي بدأت منذ حوالي أربع سنوات والتي لا تزال مستمرة حتى الآن، من إمكانياتها وقدراتها وحتى أعمالها ووظائفها.
وقال الخبير الإقتصادي الذي لم يرغب بذكر إسمه: “اليوم المصارف مثلها مثل أي شركة، لا بد لها من أجل وقف النزف الحاصل في موازنتها جراء الأزمة الإقتصادية والإنخفاض الحاد في الأعمال، خفض كلفتها التشغيلية”. وأضاف “ان صرف الموظفين في القطاع المصرفي ليس سهلاً على المصارف التي استثمرت بالموارد البشرية على مدى سنوات طويلة، وهذا ما جعلها من أهم الكادرات البشرية العاملة في العالم المالي والمصرفي في المنطقة”.
وأبدى الخبير الإقتصادي أسفه الشديد لما أصاب القطاع المصرفي اللبناني، وقال “أن هذا القطاع كان لديه قبل الأزمة ودائع تزيد على 173 مليار دولار، ويوفر قروض بقيمة تفوق الـ58 مليار دولار، وعدد حسابات يفوق المليون حساب، ولديه ايضاً اكثر من 3 ملايين بطاقة مصرفية فضلاً عن العمليات الكثيرة التي يقوم بها خدمة للقطاع التجاري لا سيما بالنسبة للتحويلات في لبنان او للخارج، وغير ذلك الكثير”.
واضاف “أما اليوم فواقع الحال صعب جداً، فالأموال الجاهزة في القطاع المصرفي لا تتعدى المليار و600 مليون دولار، فيما عمليات الإقراض في خبر كان، ومعظم عمليات المصارف هي في إتجاه واحد، دفع الودائع للمودعين عبر تعاميم مصرف لبنان”.
وأوضح الخبير الإقتصادي انه “لا يمكن للقطاع المصرفي الذي كان يقوم قبل تشرين الأول 2019 بهذا الحجم من الأعمال والعمليات ولديه كل هذه الإمكانيات، أن يحتفظ بذات القوى العاملة لديه لتنفيذ العمليات المحدودة من ضمن الإمكانات الموجودة الآن، هذا أمر ليس له أي جدوى إقتصادية ويجافي المنطق، ولا يمكن لأي مؤسسة، لأي قطاع انتمت، أن تتحمله”، متوقعاً ايضاً ان تستمر عمليات إقفال فروع المصارف للغاية نفسها، التي انخفضت من 1058 فرعاً في العام 2019 الى 782 فرعاً في نهاية العام 2022 مع إقفال 276 فرعاً.
وقال “هناك مثل قائم، وهو القطاع العام لدى الدولة اللبنانية، الذي كان السبب الاول للإنهيار الإقتصادي، فدولة مثل لبنان تحتاج نحو 100 الف موظف في كل القطاعات تشغّل حوالي 320 الف موظف، النتيجة كانت الإنهيار”.
وختم الخبير قائلا: في كل الأحوال، مهما حاولنا إيضاح الموضوع، فالوضع صعب جداً على الطرفين، على المصارف جراء الإنهيار الكارثي وعلى الموظفين جراء تركهم للعمل، لكن لا بد من القول ان الموظف هو الحلقة الأضعف، وعليه لا بد من إعطاء المصروفين حقوقهم كاملة وتعويضات تحميهم وتمنع المسّ بحياتهم وبحياة عائلاتهم”.