ينطلق موسم البحر هذه السنة والعين على الشواطئ العامة تحديدا، ولا يختلف اثنان ان الصيف في لبنان يعني بحرا واستجماما واستمتاعا بالأجواء الحارة في اشعة الشمس الذهبية ان لجهة الترفيه او بهدف تسمير البشرة والحصول على اللون البرونزي الجذاب. ولكن مع دولرة رسوم الدخول الى المسابح الخاصة والعامة والمنتجعات والمرافق التي تدخل ضمن إطار الاستثمار الخاص، أصبحت الشواطئ العامة مقصدا من قبل المواطنين غير المقتدرين ماديا على تحمّل لهيب «الدخولية». ومن هنا انطلق المجلس الوطني للبحوث العلمية بالتعاون مع المركز الوطني لعلوم البحار في تقريره السنوي الثابت لمعرفة الواقع البيئي للشاطئ اللبناني لعام 2023 انطلاقا من شعار «اين نسبح هذا الصيف؟».
ينابيع التلوث!
في سياق متصل، يوجد 77 مصدرا للتلوث على طول الشاطئ اللبناني منها: المصانع التي ترمي مخلفاتها في الأنهر قبل ان تنتهي في باطن البحر، المجارير التي تصب المياه الملوثة مباشرة على الشواطئ، المكبات العشوائية التي أضحت مكانا شرعيا «للنكيشة» وبؤراً رسمية لهؤلاء لنبش وبعثرة النفايات وتحصيل ما أمكن لبيعه الى معامل إعادة التدوير ضاربين عرض الحائط صحة الناس بسبب انتشار التلوث جراء العصارة التي تفرزها القمامة. امام هذا الواقع المزري للبحر في لبنان تم تصنيف الشاطئ بأماكن صالحة للسباحة، وأخرى من غير المستحسن حتى الوقوف بجانبها لتلطّخها بالمدنسات.
بالموازاة، قالت الامينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية د. تمارا الزين لـ «الديار»، «كما كل عام يُجري المركز الوطني لعلوم البحار التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية تحاليل للشاطئ اللبناني وتضم 37 نقطة مرجعية، تمتد من العريضة في شمال لبنان الى الناقورة جنوبا». اضافت، «طبعا نحلل النقاط نفسها كل عام لنتتبّع التغييرات في الحالة البيئية لهذه الأماكن ولربطها أيضا بمصادر التلوث او بغياب المعالجات كتعطّل محطة تكرير معالجة مياه الصرف الصحي».
اردفت، «النتيجة التي ظهرت هذه السنة مقارنة بالعام المنصرم تبين انه يوجد 24 نقطة كانت صُنفت من جيدة الى جيدة جدا وممتازة، انخفضت الى 22 منطقة بحرية صالحة للسباحة بأمان، موزعة على طول الشاطئ اللبناني، ولا تدخل ضمنها الشواطئ القريبة من المدن الرئيسية او المحاذية للمصانع ونقاط الصرف الصحي، وتَبَيّن ان هناك 6 مواقع ملوثة جدا ولا تصلح للسباحة فيها نهائيا، وبعضها مسمّى بـ «المسابح الشعبية». بالإشارة، الى خروج موقعين بشكل تام من التصنيف الآمن وهبوطهما نحو خانة «غير المأمونة» أو «حذر» و«حرج».
وذكرت الزين الشواطئ الصالحة للسباحة وتضم كلا من: طرابلس بجانب الملعب البلدي، أنفة- أسفل دير الناطور، أنفة- تحت الريح، الهري- شاطئ ذو منفعة خاصة، سلعاتا/ شاطئ شعبي، البترون- شاطئ البحصة العام، عمشيت- الشاطئ الشعبي، جبيل- الشاطئ الرملي، جبيل- شاطئ البحصة الشعبي، البترون- الحمى، الفيدار- أسفل جسر الفيدار، العقيبة- مصب نهر إبراهيم، البوار- الشاطئ العام، جونيه- الشاطئ العام، الدامور- شاطئ ذو منفعة خاصة، الجية- شاطئ ذو منفعة خاصة، الأوّلي- الشاطئ شمال مصب نهر الأوّلي، الصفرا- أسفل شير الصفر، الناقورة- شمال مرفأ الناقورة، صور- شاطئ المحمية الطبيعية، الرميلة- شاطئ ذو منفعة خاصة وعدلون- شاطئ ذو منفعة خاصة».
وأشارت، «الى ان بيروت غابت تماما عن التصنيف هذا العام مع خروج المنطقة الضيقة في عين المريسة، بين مرفأـ الصيادين والريفييرا، وانتقلت من الدائرة الجيدة بعدما صنفت آمنة عام 2022، وانحدرت الى درجة غير «المأمونة».
المواقع غير السليمة
تحدثت الزين عن المراكز غير «الامنة»، «وتعتبر غير صالحة بأي شكل من الاشكال للسباحة، ولَحظَ التقرير أيضاً أنّ 6 مواقع من أصل 37 ملوثة إلى ملوثة جدّاً، وهي: جونيه-المسبح الشعبي الرملي، طرابلس-المسبح الشعبي، أنطلياس-المسبح الشعبي، بيروت المنارة-أسفل منارة بيروت، الضبية-جانب المرفأ وبيروت-شاطئ الرملة البيضاء الشعبي».
الدراسة
بالموازاة، جاء في التقرير السنوي حول «الواقع البيئي للشاطئ اللبناني» الذي يعده مركز علوم البحار في المجلس الوطني للبحوث العلمية، «انه بالنظر الى أهميّة البعد المتعلق بالسباحة والترفيه والسياحة، فإن دراسة الواقع البيئي تتخطاه لأنها تؤرخ بيئيا كل ما يحصل في شواطئنا على مدى السنوات وتتيح لنا ربط المعطيات وتغيراتها، تحديدا التلوث العضوي وغير العضوي، بمصادر التلوّث من جهة، ومن جهة أخرى بواقع المعالجات التي تأثرت كثيرا في ظل الأزمة كتوقف محطات معالجة الصرف الصحي. الى جانب الكثير من الخصائص التي تتأثر بعوامل التغير المناخي وتؤثر بدورها في قدرة البحار والمحيطات على امتصاص ثاني أوكسيد الكربون وفي التنوع الحيوي والحياة البحرية».
وتطرق، «الى أن العينات تؤخذ من المواقع المحددة على مدار 12 شهراُ ووفق المنهجية التي يوصي بها برنامج الأمم المتحدة لمراقبة الشواطئ MEDPOL والمتّبعة لهذا النوع من الأبحاث الميدانية». كاشفاً عن كافة نتائج تحاليل الخصائص الفيزيائية إلى جانب التلوث البكتيري وتركيزات المعادن الثقيلة (كادميوم، رصاص وزئبق) في الترسبات وأنسجة الأسماك المحلية».
وذكر التقرير، «ان الجديد هذه السنة كان عرض لمسوحات القمامة البحرية ايضا، فبعض الكميات التي رصدت مخيفة خاصة لجهة هيمنة المكونات البلاستيكية فيها. بالإشارة الى انه منذ اسابيع قليلة، اجتمعت غالبية الدول تحت مظلة اليونسكو للبحث في آليات جديدة للحد من التلوث البلاستيكي خاصة وأن الكثير من الجهود المبذولة لم تؤت ثمارها. وبحسب وزارة التحول الإيكولوجي الفرنسية، تشير التقديرات اليوم، إلى أن كمية البلاستيك في المحيطات على المستوى العالمي تتراوح بين 75 و199 مليون طن (وهو ما يمثل 85٪ من القمامة البحرية)، كما أن حوالي 640.000 طن من شباك الصيد تُفقد أو تُترك في البحر كل عام وأن 80٪ من القمامة البحرية تأتي من الأنشطة البرية».
بالمقابل، تحدث رئيس مركز علوم البحار د. ميلاد فخري في العرض الذي قدمه، «عن أنواع وكميات القمامة، بحيث أن مسحا لمئة متر من شاطئ شعبي خلال فصل الربيع حصد 23290 قطعة وزنهم 54 كلغ ومن ضمنهم 31 كلغ بلاستيك. المؤسف أن المخلفات المبعثرة على الشواطئ مرتبطة أيضا ومباشرة بالسلوك الفردي والجماعي».
وحرص مجلس البحوث في خلاصة تقريره بالتشديد، «على ان هذا البحث مدخلٌ للقول ان القضايا البيئية بشكل عام والنفايات على أنواعها بشكل خاص تتطلب تضافرا في الجهود بين المواطن والمجتمع المدني والبلديات والوزارات والعلميين لكي نصل إلى حلول جذرية ومستدامة».
المصدر : الديار