هل يمكن القول ان بدء تطبيق التعميم ١٦٥ الصادر عن مصرف لبنان اعتبارا من يوم امس تاريخ اول حزيران هو مقدمة للمباشرة بمكافحة وضبط الاقتصاد النقدي واستفادة القطاع المصرفي منه وعودة هذا القطاع الى تأدية دوره المعتاد ام هو محاولة لاقصاء القطاع المصرفي عن «قديمه» او ما تبقى منه وفتح صفحة نقدية جديدة عبر فتح حسابات جديدة بالليرة اللبنانية والدولار الاميركي وانشاء منصة خاصة مخصّصة بشكل حصري لإجراء العمليّات المتعلّقة بمقاصة الشيكات والتحاويل الإلكترونيّة الخاصّة بالأموال النقدية؟
هذا السؤال يتم طرحه في الاوساط المصرفية والمالية لكن التعميم ١٦٥يحرك القطاع المصرفي اللبناني من جديد بعد ان تحول القطاع الى شاهد على عمليات السحوبات اليومية للعملاء من الأفراد والشركات ضمن السقوف الشهرية المتاحة وتولي دور الوسيط في تنفيذ عمليات المبادلات النقدية عبر منصة صيرفة، فضلاً عن عمليات اعتمادات تجارية ومستندية مشروطة بتوفير السيولة المسبقة. فيما يبرز التجميد التام لعمليات الائتمان والتمويل الضرورية لإعادة إنعاش الاقتصاد في المرحلة اللاحقة، وبالمثل الخدمات المصرفية الإلكترونية التي تكاد ان تكون محصورة بسحب الرواتب لموظفي القطاع العام او لتأمين بعض الكاش لحاجات ضرورية للمواطنين.
واتى هذا التراجع للعمل المصرفي في ضوء احداث ١٧ تشرين ٢٠١٩ واقدام المصارف على احتجاز اموال المودعين وهذا يعني ان التعميم ١٦٥اتى ليمحي الماضي ولولاراته ويبدأ مرحلة جديدة من الاموال الطازجة واتى ايضا لتشجيع المواطنين الذين يخبئون اموالهم في منازلهم وهي تقدر ب ٩ مليارات دولار لاستعمالها في المصارف وهي محاولة لا يعرف مدى نجاحها لان المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين خصوصا ان اموال هؤلاء المواطنين لم يعرف مصيرها وهل بالامكان استردادها بعد ان اثبت اكثر من طرف مالي مؤثر ان هذه الودائع قد تبخرت ولا يمكن استردادها «وعفا الله عما مضى».
وقد جرت محاولات عديدة من قبل مصرف لبنان لحث المواطنين على استعمال النقود المخبأة لكن محاولاته باءت بالفشل ويأتي التعميم ١٦٥لحثهم مجددا مواكبا لحملة دولية متعددة الاطراف على ضرورة تحجيم الاقتصاد النقدي نظرا لما يشكله من خطورة على عمليات تبييض الاموال وتمويل الارهاب وكلما زاد حجم الاقتصاد النقدي زاد حجم عمليات تبييض الاموال غير المراقبة بدقة من قبل الاجهزة النقدية في لبنان.
واذا كان التعميم ١٦٥يعني مرحلة جديدة من العمل المصرفي عبر ايداع الاموال الطازجة فيه فانه من المتوقع وضمن الاجراءات المتخذة ان يستتبع ذلك اصدار شيكات ممغنطة بالدولار والليرة اللبنانية ممهورة بكلمة فريش اضافة الى انشاء مقاصة بالعملة الجديدة والتحاويل الالكترونية الخاصة.
هل ينجح التعميم ١٦٥في اعادة الانتظام المالي والمصرفي ام يفشل كما فشلت بقية التعاميم في جلب الاموال المخزنة ؟
لا يمكن ان يغرد هذا التعميم منفردا ولا يمكن ان يحقق النجاح ما دامت الاوضاع السياسية لم تستقر على بر لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة اصلاحية جديدة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي لانه ما دامت هذه الاوضاع لم يتم ايجاد الحلول لها فعبثا تحاول السلطات النقدية حيث اثبتت الايام ان كل شيء في لبنان مرتبط بالاوضاع السياسية.
وتم صدور هذا التعميم بدعم من حكومة تصريف الاعمال التي أصدرت قراراً قضى بالطلب من البنك المركزي اتخاذ الإجراءات الضرورية والمناسبة، لإلزام المصارف بمنح عملائها حرية التصرف بالأموال الجديدة والالتزام بسقف السحوبات المتاحة للمودعين، سحباً أو تحويلاً، وفقاً للتعاميم ذات الصلة والتعامل بشكل يساوي فيما بينهم، وعدم إعطاء أولوية لوديعة على أخرى، أو على أي التزام آخر بالعملة الأجنبية مهما كان نوعه أو مصدره.
المهم في الامر ان المصارف باشرت تطبيق هذا التعميم من حيث فتح حسابات بالفريش ان كانت بالليرة اللبنانية او الدولار الاميركي وفي مخيلتها مئة ســؤال وسؤال حول مصير القطاع المصرفي القديم وموضوع اعادة هيكلة القطاع المصرفي .
من المعلوم ان مجموعة العمل المالي كانت قد حذرت من تنامي حجم الاقتصاد النقدي حيث ستضطر الى وضع لبنان على القائمة الرمادية اذا لم يباشر تطبيق الاصلاحات ومعالجة الثغر التي تحد من هذا الاقتصاد النقدي.