إنه لبنان، بلد موجود منذ الأزل ومذكور في التوراة والانجيل، لديه تنوّع طائفي كبير يشبه لوحة الموزاييك. كما لديه اطلالة على البحر المتوسط يحسده عليها جيرانه ولو انه لم يستفد منها يوماً، بل قام بتدميرها بالنفايات والمياه المبتذلة.ولبنان ككيان لم يعرف يوماً الاستقرار، مرّت عليه حروب واستعمار وثورات ووصاية واحتلال.
تعددت الاسباب والتحاليل ولكن رأيي أن اللبنانيين لا يحبون وطنهم بل يعتبرونه كمركز للتعليم والتجارة للانتقال منه عند أول فرصة او محنة الى العالم.
وهذا ما جعل العديد من اللبنانيين يعملون من أجل الحصول على باسبور ثان، وقد يكون بعضهم استقرّ في لبنان ايام السلم ولكنهم رحلوا منه عند اول مطبّ.
***
اليوم لبنان يخرج من أزمة اقتصادية. نعم هو يخرج وفيما يعتقد البعض بأنه يتعمّق في الازمة، أنا أخالفه الرأي.
لماذا يخرج؟ بسبب الدولرة الشاملة! بالطبع لم نكن نريد الدولرة ولا نزال، بسبب عواقبها السيئة على أغلبية الشعب بزيادة الفقر والمشاكل الاجتماعية والأمنية، حيث كانت توجد حلول أخرى سبق وتكلّمنا عنها في مقالات سابقة.
الشعب اليوم نسي ودائعه في المصارف التي أصبحت قيمتها الحقيقية أقل من 10%، وتخلّى عن الليرة في تعاملاته ولم يعد حتّى يهمّه ما يحصل في الاقتصاد.
هذا الشعب الذي لم يكترث حتّى لقطع الكهرباء او اقفال مؤسسات الدولة او سرقة حقوقه وتهجير أولاده، صوّت لنفس الزعماء المتحكمين بمصيره منذ السبعينات ولا يزالون!
نحن شعب لديه مرونة غريبة في مواجهة الشدائد تحتاج الى علماء اجتماع ونفس لدرسها وتحليلها، ولكنها برأيي بسبب طبيعة اللبناني التاجر! هو مستعدّ لكلّ شيء من أجل الحصول على المال !
***
ولذلك نراه اليوم يسعّر اليوم كلّ شيء بالدولار وبأسعار خيالية:
تذهب الى المطعم فتجد السلطة بـ12$ اي أغلى من أوروبا!
تذهب الى المستشفى فتجد الليلة في الطوارئ بـ1000 دولار.
تذهب الى السوبرماركت حيث كلّ شيء مدولر وبأسعار خيالية، وكأنك في بلد آخر.
تذهب الى الصيدلية فيدخل الصيدلي الى منصة لتسعير الدواء بالدولار!
لماذا الغلاء بالدولار؟ ما هو المبرر؟ الغلاء سببه العرض والطلب وغياب الرقابة من السلطة. فالتاجر ليس لديه من يراقبه، وبالتالي يسعّر البضائع بفجور هوامش كبيرة. والمستهلك ليس لديه الخيار سوى الشراء والدفع. فأصبحت الأسعار ترتفع بحسب مزاج التاجر لتشعل الغلاء الفاحش في بلد انخفض حجم اقتصاده 60%خلال 3 سنوات، فيما الاستهلاك لا ولن يتوقف. فأصبح اقتصاد حرب تتحكم فيه مجموعة من التجار المحتكرين يعملون بشبه كارتيل متناسق يزيد الأسعار وفقاً لشهواته، والسلطة غائبة تذكّر المواطن بوجودها حين تزيد الدولار الجمركي لزيادة التضخم أكثر.
كيف تنخفض الأسعار في حالتنا؟ الاسعار لن تنخفض بالطبع في المدى القصير، ولكنها ستنخفض قليلاً في المدى الطويل بسبب دخول عامل المنافسة في التجارة. ولو أن هذا الانخفاض لن يكون كبيراً بسبب التضخم العالمي الذي سيأكل القدرة الشرائية لجميع الشعوب من وراء الاصطفاف العالمي بوجه الدولار من قبل دول تسيطر على المواد الاولية والخام والنفط، مما سيترجم بانخفاض القيمة الشرائية للدولار في الاسواق.
في لبنان شهدنا مؤخراً طلباً غير مسبوق على الذهب وارتفع سعره الى 2050$ للاونصة، أصبح تجار المجوهرات يجدون صعوبة في الحصول على السبائك للتصنيع فيضعون طلبياتهم للحصول عليها بعد أكثر من أسبوعين! واللبناني يريد تنويع محفظته بين الدولار والذهب.
***
في المرحلة المقبلة وفي ظلّ عدم وجود مصارف، أتوقع أيضاً ارتفاع أسعار العقارات بسبب عدم وجود فرص للاستثمار، فيلجأ التجار والمغتربون الى شراء العقارات للحفاظ على القيمة الشرائية لأموالهم.
أما بالنسبة للشعب الفقير فسيزداد فقراً بسبب الغلاء الفاحش ليصبح من المستحيل شراء شقة. فيتحوّل لبنان الى ما يشبه أنغولا وبيروت الى لواندا تعيش في انفصام عن الواقع الاقتصادي المرير. فأقلية من الشعب تعيش في رفاهية بينما الاغلبية ستصبح كادحة تبحث عن القوت اليومي.