قضية الحاكم رياض سلامة تتجاوز الدعوى القضائية في المحاكم الفرنسية، إلى ما هو أهم بكثير: بعضه أمام القضاء اللبناني، والجزء الأكبر منه متوارٍ في الكواليس السياسية.
القاضية الفرنسية أود بوريزي حصرت مهمتها بالأموال المحوّلة من شركة «فوري» التي يملكها شقيق الحاكم، إلى فرنسا، حيث دخل بعضها في الجهاز المصرفي من خلال إيداعات في بعض المصارف الفرنسية، فيما إستخدم البعض الآخر لشراء عقارات في باريس ومدن فرنسية أخرى.
قيمة هذه الأموال بحدود ٣٠٠ مليون دولار فقط، في حين أن الفجوة المالية وصلت إلى ٧٠ مليار دولار، وأموال المودعين الضائعة بين المصارف والبنك المركزي كانت تقدر ب ١٢٥ مليار دولار، وأصبحت اليوم بعد عمليات النهب المنظم، عبر «الهيركات» غير المعلن أقل من تسعين مليار دولار.
من هنا فإن التحقيقات الفرنسية، وكل الضجة التي أُحيطت بها بعد صدور مذكرة الأنتربول، لن يُفيد أصحاب الودائع في لبنان، ولن يساهم بإعادة فلساً واحداً من المليارات المنهوبة من أموال الدولة اللبنانية.
ولكن اللافت في الملاحقة الفرنسية، جدّية الخطوات التي إتخذت بمجرد تخلف الحاكم عن حضور جلسة الإستجواب في باريس، وإضطرار سلامة للدفاع عن نفسه بتوجيه الإهتمام إلى مواقع أخرى، عندما طلب من القضاء مساءلة السياسيين أولاً، وعدم حصر التحقيق به أو بشقيقه.
بالمقابل ليس مستغرباً الإنقسام الذي حصل بين الوزراء في «الإجتماع التشاوري» في السراي بعد ظهر أمس، حيث برزت جبهة الدفاع عن سلامة بقوة في وجه المطالبين بتنحيته، مما يعني أن الحماية السياسية للحاكم ما زالت متماسكة، ولا صحة للإشاعات التي راجت مؤخراً حول مطالبته بتقديم إستقالته طوعاً، قبل إنتهاء ولايته.
قطعاً لا يتحمل حاكم المركزي وحده، الذي تربع على عرش الحكام الأكثر نجاحاً في الشرق الأوسط والعالم ردحاً من الزمن، مسؤولية الإنهيار النقدي، وتداعياته الإقتصادية والإجتماعية، بقدر ما تُعتبر المنظومة الحاكمة هي المسؤولة الأولى عن إفلاس الدولة، وهدر ونهب ودائع الناس، بتسهيل من البنك المركزي، الذي أفرط في تسليف وتمويل رموز الفساد، دون رادع أو حسيب.
وإذا كان القضاء الفرنسي يُلاحق الأموال «المسرّبة» إلى فرنسا، فمن يلاحق حق المودعين في إسترداد أموالهم من الدولة والمصارف؟
أموال سلامة المسرَّبة وحقوق المودعين المنهوبة
مقالات ذات صلة