شكلت مذكرة الاعتقال من “الإنتربول” بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بناء على المذكرة الغيابية التي أصدرتها القاضية الفرنسية أود بوريزي بحقه الثلاثاء الماضي، ملفا ضاغطا على المسؤولين عموما، وحكومة تصريف الاعمال خصوصا التي تنتظر ما سيؤول اليه القضاء بعد أن يستمع اليه المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان خلال هذا الاسبوع.
وفيما تتجه الانظار الى القرار الذي سيتخذه النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بعد جلسة الاستماع الى سلامة، وفي الوقت الذي يصر حاكم المركزي على البقاء في مركزه حتى نهاية ولايته الخامسة في آخر تموز المقبل، تستبعد مصادر متابعة إقالة الحاكم بقرار من مجلس الوزراء، آخذة في الاعتبار احتمال الطعن به من جانب سلامة الذي يتسلح بأن لا حكم قضائياً في حقه، وتاليا فإن قرار إقالته ستكون مخالفة للقانون.
وفي الانتظار، وفيما تكثر التحليلات والاجتماعات للبحث عن مخارج للأزمة، عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لقاء تشاوريا مع الوزراء أمس في السرايا لمناقشة الملفات الراهنة ومن بينها التطورات القضائية المتعلقة بالحاكم بعد تسلم لبنان الإشارة الحمراء من الانتربول، شارك فيه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وعدد من الوزارء. كما شارك المدير العام لرئاسة الجمهوربة انطوان شقير والامين العام لمجلس الوزراء محمود مكية. وتقرر ان يعقد مجلس الوزراء جلسة عند الساعة الثالثة من بعد ظهر الجمعة المقبل.
الوزير السابق نقولا نحاس أكد لـ”النهار” أن ثمة مسارين الاول قضائي والثاني إجرائي تتخذه الحكومة بناء على ما يقرره القضاء، فإذا قرر بوجوب تنفيذ مذكرة الانتربول وتوقيف الحاكم فإن السلطات اللبنانية ستنفذ حكما، وكذلك الامر اذا قال أن لبنان لا يسلم أي لبناني لأي دولة اجنبية ولو كان يحمل جنسية اخرى، وأن اي مذكرة توقيف اجنبية صادرة ضد لبناني هي غير قابلة للتنفيذ قانونا”.
وقال “ثمة قرار سيصدر عن السلطة القضائية وبعدها يبنى على الشيء مقتضاه”. وأكد نحاس أن “الموضوع ليس موضوع شخص الحاكم، بل هو موضوع يتعلق بمصرف لبنان كمؤسسة ويتعلق بكيفية اعادة القدرة للمركزي على التحكم بالسياسة النقدية والمالية، معتبرا الموضوع شائك ومعقد، اذ “يجب ان ندرس ايضا كيف تنظر المؤسسات المالية العالمية للموضوع، فإذا أخطأنا بأي قرار، يمكن أن يؤدي الى شرخ بيننا وبين المؤسسات الدولية”.
وإذ أكد أنه لم يتسن له حضور اللقاء التشاوري، أوضح أن اللقاء كان لقراءة ما يمكن أن تكون عليه، هو امر مستجد وسنأخذ برأي الوزراء كافة حيال نظرتهم للامور، يجب ان تكون الخطوة التي سنأخذها في الاطار مصدر لاعطاء ثقة وليس خلق شكوك من جديد.
لا يحل محل الحاكم الا حاكم
يستند كثيرون الى المادة 19 من قانون النقد والتسليف التي تؤكد أنه في “ما عدا حالة الاستقالة الاختيارية، لا يمكن اقالة الحاكم من وظيفته الا لعجز صحي مثبت بحسب الاصول او لاخلال بواجبات وظيفته في ما عناه الفصل الاول من الباب الثالث من قانون العقوبات, او لمخالفة احكام الباب 20, او لخطأ فادح في تسيير الاعمال”، ليأكدوا أنه لا يمكن إقالة حاكم مصرف لبنان لعدم إدانته بأي تهمة، وهو ما أكده الحاكم بقوله “إذا صدر أي حكم بحقي فسأتنحى، ولن أبقى في منصبي بعد انتهاء ولايتي”، على أن يستلم نائبه وسيم منصوري من بعده. فهل يمكن لنائبه الاول أن يتسلم المنصب بعده؟
المحامي الدكتور باسكال ضاهر يستند بدوره الى قانون النقد والتسليف ليؤكد أهمية منصب حاكمية مصرف لبنان، بدليل أنه “جعل من وجود منصب الحاكم امر جوهري وعلى مستوى مرتفع من الأهمية، اذ ربط بشخصه مكانة الدولة المالية وباسمه انتظامها”. وتاليا يقول ضاهر “نظرا الى الاهمية التي منحه إياها القانون، فإن مشرع قانون النقد والتسليف لم يخطر بباله انه قد يأتي يوم ويتعذر على اي حكومة تعيين حاكم لمصرف لبنان. لذا برأي ضاهر، يقتضي التفريق بين ناحيتين بمفهوم القانون وهي الـadministration والـ direction. بالأولى لا يحل محل الحاكم الا حاكم او مجلس مركزي متحد وضمن النطاق الضيق؛ اما بالثانية فيحل مكانه النائب الاول او الثاني..”.
ولكن ما الفارق بين administration والـ direction؟ وفق ضاهر فإن قانون النقد والتسليف واضح في هذا السياق، إذ اعتبر ان تأمين ادارة المصرف المركزي مرتبطة بشخص الحاكم وفق احكام المادة 17، وهي تتم من خلال معاونة نائب حاكم اول، ونائب حاكم ثان، ونائب حاكم ثالث، ونائب حاكم رابع، ومن مجلس مركزي. ولذلك فان فعل الادارة ولاهمتيه يفترض وجود حاكم انما قد تكون هنا امكانية ان تستمر هذه الادارة بمعنى الـ administration جماعيا مع المجلس المركزي Conseil Central انما ضمن حدود ضيقة. اما direction فتتعلق بتسيير اعمال المصرف اليومية، وبكل ما ليس له علاقة باتخاذ القرارات الجوهرية. وهنا يمكن أن يحل مكانه النائب الاول او الثاني… . وأكثر فإن نظرية الموظف الفعلي او الواقعي المستندة الى مبدأ استمرارية المرفق العام التي اوجدها مجلس الدولة الفرنسي واخذ بها مجلس شورى الدولة اللبناني، تسمح لأي مواطن يملك العلم والمعرفة وضمن شروط محددة بأن يحل محل الموظف الأصيل ويسير امور الوظيفية لتسيير امر المرفق العام تأمينا لاستمرايته، وذلك في حال رأى ان هذا المركز فارغ واستمراريته غير مؤمنة. كذلك يحق له تقاضي التعويضات التي منحها القانون للموظف الاصيل طيلة مدة اشغاله المركز او المنصب، وفق ما اقره الاجتهاد في هذا الصدد”. ويستنتج ضاهر “ان الامر لا ينحصر بنص المادة 25 من قانون النقد وتسليف التي أشارت الى موقع النائب الاول والثاني، بل انه يخرج عن احكام قانون النقد والتسليف ليشمل المبادئ القانونية التي اوجدها القضاء الاداري”.
بيد ان الاهم برأي ضاهر هو توضيح مفعول المادة 25 التي يستند اليها البعض والتي نصت على الآتي: “بحال شغور منصب الحاكم يتولى نائب الاول مهام الحاكم، ريثما يتم يعين حاكم جديد”. موضحا بأن تولي المهام هنا ينحصر بمفهوم الـ direction وليس في administration وثمة فارق شاسع بين المفهومين. وقد تكون المقاربة الصحيحة بعبارة الشغور التي نصت عليها المادة بحال شغور منصب رئاسة الجمهورية فتحل محله الحكومة بالصلاحيات غير اللصيقة بشخص الرئيس وعلى مستوى انها مستقيلة والامر عينه يقتضي النظر اليه بحالة الشغور بموقع حاكم مصرف مركزي. وانطلاقا من ذلك يرى ضاهر ان “مبدأ حلول النائب الاول، وفي حال تعذره النائب الثاني محل الحاكم لا ينبغي أن يشمل الا المنحنى الخاص بـ direction ولا يتعدى ذلك إطلاقا الى administration، وتاليا وانطلاقا من هذه التوضيحات ولحسم الجدل حيال من يتولى منصب الحاكمية بعد انتهاء فترة ولاية الحاكم، يقول ضاهر “لا يحل محل الحاكم الا حاكم”.