أصبح واضحاً أنّ رئاسة الجمهورية، هي المحرّك الرئيس لكل السلطات في لبنان، وضمانة انتظام المؤسسات الدستورية. ومن دونها نكون في وطن معلّق ومن دون رأس، تملأ جسده الثقوب.
لبنان الذي يرزح تحت ثقل مشكلاته المستعصية، لا يزال يتمتع بالحدّ الأدنى من الأمن يوفره الجيش وسائر الأجهزة العسكرية والأمنية. ولكن المأساة المعيشية وأزماته المالية المتدحرجة، تظلّ قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في اي لحظة. قد يكون من حظ لبنان انّ الخارج منشغل عنه بقضايا اكثر الحاحاً، وأهمية، لأنّ العالم – خصوصاً الشرق الاوسط – يمرّ بتحوّلات خطيرة تدفع في اتجاه نظام اقليمي جديد، قد يفرز نظاماً عالمياً ينهي أحادية القطب التي سادت مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وتفكّك منظومة حلف “وارسو”.
هذا الانشغال يمنع تحوّل اي توتر داخلي إلى ما يشبه الحرب الأهلية، ويبقي اللعبة مضبوطة وتحت السيطرة. على أنّ ملف النازحين وموقف الغرب المريب منه، هو ما يحمل على القلق بسبب الهواجس والمخاوف المشروعة للبنانيين جراء الفوضى المتأتية من سوء إدارة هذا الملف من جهة، والعجز عن استنباط الحلول الممكنة او المطلوبة في ظل الضغط الأممي الذي يتقاطع مع السعي الاوروبي والأميركي لإبقاء النازحين حيث هم، في انتظار الحل الشامل للأزمة السورية أو استخدامه بيدقاً على رقعة “الشطرنج” الدولي والاقليمي.
من هنا يتعيّن على الأفرقاء المحليين مغادرة خنادقهم، والجلوس معاً لبدء حوار يتركّز حول كيفية التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، سعياً وراء ملء الشغور، وتدارك التداعيات التي تكرّ سبحتها يوماً بعد يوم. فليس المطلوب رئيس تحدٍ، ولا رئيس لا لون له ولا طعم.
إنّ الرئيس الذي ينتظره اللبنانيون يجب أن يكون نتاج قناعة وطنية داخلية، وقادراً على الإفادة من التحولات الدولية والاقليمية. ويبدو وفق المعلومات المتطابقة أنّ الاجواء، غير مهيأة بعد لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في المدى المنظور، لأنّ المعالجات الناشطة تتطلب المزيد من الوقت لإزالة الألغام المزروعة في طريقه، وهي ليست من النوع السهل، وقد تنفجر بالجميع، إذا لم يجر التعاطي معها بعناية. والى أن تحدث “المعجزة” ينبغي التنبّه ومحاذرة الدوس عشوائياً في حقل الألغام.
جوزف القصيفي – الجمهورية