نفي حزب الله مسؤوليته في إطلاق الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل لم يقفل الباب على “احتمال تورط إيران في هذا الهجوم الصاروخي” بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية.
في كل مرة تطلق فيها الفصائل الفلسطينية صاروخين أو ثلاثة من الجنوب اللبناني على الحدود الشمالية لإسرائيل يخرج حزب الله ليعلن “براءته” من العملية وبأنه لم يكن يعلم. لكن أن “لا يعلم” بزرع عناصر تابعة لحركة حماس 30 صاروخا تم إطلاقها دفعة واحدة من الجنوب، وأن يكتفي بنفي مسؤوليته دون الرد ببيان يستنكر فيه ما حصل فهذا يؤكد ما رجحته مصادر عسكرية بأنه “كان يعلم” وأن “إطلاق الصواريخ من لبنان جاء نتاج تنسيق كامل بين إيران وحزب الله وحماس والمنظمات الأخرى” وبالتالي “كيف يقنعنا حزب الله الذي استقبل امينه العام السيد حسن نصرالله امس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية، بعدم علمه المسبق بمن ينصب أكثر من 40 صاروخا، وبوضح النهار؟ ” بحسب كلام رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض في المؤتمر الصحافي الذي عقده وتناول فيه قضية إطلاق صواريخ من الجنوب على يد عناصر حركة حماس.
ويضيف محفوض :” لا شيء إسمه حماس في الجنوب أو حتى في أي منطقة من لبنان بمعزل عن حزب الله، الفصائل الفلسطينية المسلحة معروفة التوجه من خلال تعاونها وتنسيقها مع ميليشيا حزب الله التي تحركها وتدعمها وتحميها ومن تلك الفصائل حماس والجهاد وكل تلك الميليشيات”.
الأكيد أن ما حصل ليل الخميس الفائت بات يتخطى مسألة ” يعلم حزب الله أو لا يعلم”. فبناء على قواعد الإشتباك ومنطق القرار 1701 يفترض أن تكون قوات حفظ السلام في الجنوب أول من يعلم، وعليه يجب ضبط كل هذه الممارسات. إلا أن قائدها أرولدو لازارو اكتفى بنشر اجواء التهدئة وفقا للإتصالات التي أجراها مع السلطات على جانبي الخط الأزرق، الذي يشكل خط الحدود بين لبنان وإسرائيل. كذلك، ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالقصف الصاروخي من جنوب لبنان ودعا المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك “جميع الأطراف الى ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس”، مشددا على ضرورة “تجنب أي فعل أحادي”.
بالتوازي جاء الرد الإسرائيلي محدودا، علما أن التهديدات التي صدرت في اللحظات الأولى عقب الضربة كانت تنذر بالأسوأ منذ حرب تموز 2006 لتعود وتبرد قليلا مع الإعلان أن الصواريخ التي أطلقت باتجاه أراضيها الشمالية هي “نيران فلسطينية” وليست هجوما مباشرا من حزب الله. لكن هل تسلم الجرة في حال تكرر السيناريو، ولا شيء يمنع ذلك وفقا للمشهد العسكري على الأرض والدور المؤثر لإيران في لبنان من خلال حزب الله وحركة حماس ودخول الحوثيين على الخط بإعلان دعمهم للحزب وحماس في حربهم ضد إسرائيل؟ والأهم ما هو مصير سلاح المخيمات الذي كان يفترض أن تكون مسألة سحبه واقعا منذ توقيع اتفاق الطائف عام 1990. وحتى الساعة لا يزال حبرا على ورق.
الباحث في الشؤون الأمنية العميد الركن خالد حمادة يوضح أن مقولة سلاح المخيمات عصي على الدولة خاطئة “فالسلاح داخل المخيمات محمي ومحصَّن من قبل الثنائي الإيراني-السوري أي حزب الله وسوريا، لذلك فهو لا يخضع لسلطة الدولة”. ويضيف عبر “المركزية” أن هذا السلاح يدخل إلى المخيمات بإذن من المنفذ برتبة عريف أي حزب الله ويوزع على الميليشيات والفصائل الفلسطينية”.
نفي حزب الله مسؤوليته في إطلاق الصواريخ باتجاه شمال إسرائيل لم يقفل الباب على “احتمال تورط إيران في هذا الهجوم الصاروخي” بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية إنطلاقا من كونه” الحزب المدعوم من إيران والفصيل اللبناني الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهليّة اللبنانيّة (1975-1990) وفق البيان.
في السياق، يسأل حمادة:” هل يعقل أن ينطلق 30 صاروخا من الجنوب وتشتعل الجبهة الإسرائيلية-اللبنانيّة بشكل لم يسبق له مثيل منذ حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، ويكتفي الأخير بإصدار بيان ينفي فيه حصراً مسؤوليته في عملية إطلاق الصواريخ والكل يعلم أن أمين عام الحزب حسن نصرالله يمتثل لأوامر إيران؟”.
الإلتزام بـ”ضبط النفس” لن يحول دون تكرار السيناريو العسكري ويوضح حمادة” أن العامل الفلسطيني سيدخل شريكاً في جنوب لبنان وذلك في اللحظة التي ستُحرَج فيها إيران وعليه ستنقل المهام من يد حزب الله إلى حماس والجهاد الإسلامي “. وعن غياب دور اليونيفيل في تأدية مهامها بموجب القرار 1701 يؤكد بأنه “لطالما ابدت اليونيفيل اعتراضها على تكبيل يديها وعدم تمكنها من القيام بمهامها بسبب مضايقات الحزب إضافة إلى الشروط المفروضة عليها في حال قيامها بدوريات خارج نطاق أماكن تواجدها وإلزامها بالتبليغ عنها. ولو أتيح لها ممارسة دورها وفقا لمنطوق القرار 1701 وقواعد الإشتباك لكانت مسألة حل ضبط حزب الله ممكنة”.
لو سلمنا جدلا بأن حزب الله الذي اكتفى بنفي مسؤوليته في عملية إطلاق الصواريخ من دون أن يصدر بيان استنكار، وإذا صحّ أنه لا يريد التصعيد في الجنوب وفتح جبهة حرب مع إسرائيل فكيف يمكن قراءة دوره على أرض الواقع؟ ” كل هذا يؤكد أن الحزب لا يجرؤ على الإعتراف بأنه كان يعلم وإذا أرادت إيران أن تحرك الجبهة في الجنوب اللبناني مع إسرائيل فهي قادرة من خلال الحشد الشعبي والحوثيين والفصائل الفلسطينية” يختم حمادة.