قد تكون الأزمة الأخيرة أو الأزمات المتتالية هي التي كشفت عن الصناعة المحلية للأدوية في لبنان، إذ على الرغم من أن تصنيع الأدوية ليس بالأمر المستحدث في البلاد، أظهرت أزمة الدولار والاستيراد وغياب سياسة الدعم المطلوبة وجع اللبنانيين عند استحالة تأمين حاجاتهم من الدواء… فكان البديل الادوية المحلية.
وقد مرّت صناعة الادوية في لبنان بالكثير من المراحل، لئلا نقول المطبّات، وكان عام 2009 عاماً نوعياً لناحية صناعة الادوية. ففي ذاك العام، طوّرت وزارة الصحة اللبنانية، مع منظمة الصحة العالمية، مصانع تصنيع الأدوية، وباتت تتلاءم أو تتجانس مع أصول التصنيع العالمية والمواصفات المطلوبة والضرورية.
أما في أواخر عام 2019، فقد دخلت البلاد بجملة تحديات، كان معظمها بطابع معيشي – اقتصادي، وحلّت الصحة والطبابة في سلّم هذه التحديات التي بات تأمينها أشبه بمهمة مستحيلة عند غالبية اللبناني.
فمع التقلب الجنوني للدولار، تأثر الدواء أولاً ومن ثم دخول المستشفيات، حتى باتت حبة الدواء تباع بدلاً من العلبة، واقتصر دخول المستشفى للميسورين فقط.
وبين هذه التحديات، كان لا بد من بديل، فكانت الصناعة الدوائية المحلية تتقدم رويداً رويداً، نظراً الى الحاجة المحلية إليها، حتى باتت نسبة مساهمة الصناعة الدوائية المحلية تصل إلى حدود 40 في المئة من حجم السوق الإجمالي.
موجود … وأرخص؟
اليوم، وصلنا الى نسبة مقبولة من الإنتاج المحلي، لكن السؤال: هل الدواء المحلي أغلى أحياناً من الدواء المستورد؟ والى متى سيبقى يلبّي حاجات السوق أو بالأحرى حاجات اللبنانيين الذين لا يستطيعون دفع الفريش الدولار أو الحصول عليه من الخارج؟
يؤكد نقيب الصيادلة جو سلوم لـ”النهار”، أن “الدواء المحلي أرخص بنسبة 30 في المئة من الدواء المستورد”.
الى الآن، يغطي الدواء المحلي نحو 20 فئة علاجية أو مرضية، من الأنواع الأكثر انتشاراً، وفي لبنان نحو تسعة مصانع للأدوية مرخصة من وزارة الصحة العامة.
يلفت سلوم الى أنه “لولا الدواء المحلي، لأقفلت الصيدليات خلال الأزمة بسبب انقطاع الأدوية. لكن الأهم يبقى التشدد في مكافحة دخول الدواء المزوّر إلى لبنان والصيدليات والمستوصفات غير الشرعية”.
لا شك في أن هذه الصناعة أسهمت بصمود قطاع الادوية والصيدليات معاً، والأهم أمنت البديل لمرضى باتوا يتوسلون حبة دواء. ولا شك أيضاً في أن تشجيع تصنيع الادوية يحدّ من تجار “الشنط” ومافيا الدواء المهرّب.
يعلق سلوم: “هدفنا الحفاظ على هذه الصناعة، والأهم على جودة الدواء والاستشفاء”، مؤكداً أن “المنتج المحلي أرخص بحدود تراوح بين 25 في المئة و30 في المئة من دواء الـbrand أو دواء الجنريك ذي النوعية العالية. وهذا هو المهم أي التوازن بين الجودة والسعر العادل تلبية لحاجة المواطنين، ولا سيما في ظل الأزمة الحالية”.
في فترة كورونا، زاد إنتاج الادوية زيادة ملحوظة، وتلتها الازمة المالية، فازدادت حاجة تأمين الدواء في ظل النقص في الأدوية المستوردة.
وإن كان سعر الدواء المُصنّع في لبنان يرتفع، مع ارتفاع كل السلع، فإنه، وفق سلوم، يبقى موجوداً بنوعية وجودة أكيدة وبطريقة مُستدامة.
من المعلوم أن وزارة الصحة وضعت تسعيرة الدواء سواء أكان مدعوماً أم غير مدعوم بالعملة اللبنانية، وحدّدت هامش الربح للمستشفى والمستورد، بالإضافة إلى تحديد سعر الصرف الذي يُحتسب بالليرة اللبنانية، وثمة حقيقة واقعية وهي أنه لولا الدواء المُصنّع في لبنان لما كانت الأدوية موجودة في كل الصيدليات، إذ تصل نسبة وجودها الى حدود 70 في المئة.
هذا الواقع هو الباب الوحيد لتخليص اللبنانيين، ولا سيما المرضى، من أدوية السوق السوداء… غير الشرعية.
المصدر: النهار