” خسر لبنان في الآونة الأخيرة عشرات الآلاف من الوظائف، نتيجة الرّواتب المنخفضة التي لا تكفي لتلبية الحاجات الأساسيّة. وبات الشّغل الشّاغل معرفة متى سيستقرّ سعر صرف الدّولار، في حال لم تتوقّف تطبيقات الدّولار من التحكّم في الأسواق اللّبنانيّة.
ومنذ أوائل عام 2019، يواصل اللبنانيون إحتجاجاتهم للمطالبة بالقضاء على الفساد، وفي ذلك الحين كان الدّولار يساوي 2500 ل.ل وبدأ يرتفع رويدًا رويدًا حتى السّاعة. أمّا اليوم، الوضع بات كارثيًا ولا من حسيبٍ أو رقيبٍ.
انهارت العملة الوطنيّة أمام الدّولار، وتدولرت القطاعات أجمع، لاسيّما القطاع الاستشفائي والدواء والقطاع التربوي، والقطاع الزراعي. حتّى الأمور الترفيهية مثل الذهاب إلى حديقة الحيوانات باتت بالدّولار. ومن معه الدولار، فليعش. ومن يتقاضى راتبه بالعملة الوطنية «فليموت حيًا».
الأزمة لا تقتصر على الرواتب فحسب، بل أيضًا على سوء الإدارات في المؤسسات وعدم إعطاء الموظّف أبسط حقوقه. ومع ارتفاع الدّولار وتخطّيه المئة الف ليرة، تغيّرت المعاملات في الشركات وبات الإستغلال سيّد الموقف.
منذ إعلان المركزي بيع الدّولار الأميركي على منصة بـ90000 ل.ل. والنّاس تسأل عمّا إذا كان هناك مخرج من الدّوامة التي يدور فيها القطاع المصرفي. ومن هذا المنطلق، حملت الدّيار، هموم الأساتذة التي تتقاضى راتبًا رمزيًا نسبةً لساعات عملهم.
تعيش سينتيا، معلّمة لغة فرنسيّة، حالةٌ من الضّياع بعد أن أصبح راتبها 300 دولار وهي في عزّ عطائها للمهنة. وتقول: عندما نطالب زملائي وأنا برفع رواتبنا يكون الجواب بأنّنا في أزمةٍ صعبةٍ، على الرّغم من أنّ الأقساط تدولرت. وتسأل بحرقةٍ: منذ بدئي في هذه المهنة، كانت عدد السّاعات معروفة، ودوامي واضحٌ. أمّا بدل النقل كان مؤمنًا. لكن اليوم، وبحجّة «الوضع الاقتصادي الصعب»، لم يعد دوامي مقبولًا ولا قيمة بدل النقل واضحًا.
وتتابع: أعطي صفوفي في النّهار، وأقوم بالتحضيرات للتلاميذ ليلًا. بالإضافة إلى الإجتماعات التي أحضرها أسبوعيًا في المدرسة من دون الأخذ بعين الإعتبار تكاليف البنزين. وفي الفترة الأخيرة، قامت بعض المدارس بإعطاء دولارين يوميًا على اعتبارها بدل نقل، بغضّ النّظر عن نوعيّة السيارة التي نقودها، وعن وضعنا الإجتماعي وبصرف النّظر عن الساعات التي ندرّسها وخبرتنا في المجال. وبدل النقل لا يشمل الإجتماعات التي نحضرها. ومن يقطن ضمن نطاق بيروت، يعطى كل أستاذ منا دولار واحد يوميًا، ومن يبعد عن يبروت يصبح المبلغ دولارين. ومن يسكن في جونيه أو في البترون مثلًا، يعامل بالطريقة عينها.
وتكمل: علمًا بأنّ الدولارين لا تكفيني لذهابي وإيابي من جونية إلى بيروت، لكنّ الوضع أصفه بحذافيره. هل من أحدٍ يؤمن لي حقوقي؟ لا! وحقوقي مهدورة. وهنا السؤال: هل بـ300 دولار أستطيع العيش بكرامة؟ الجواب هو لا!
أين القانون من ذلك؟
في السياق عينه، يؤكّد المحامي مأمون ملك للدّيار، أنّ العقد الذي يُعطى للموظّف ممكن أن يكون شفهيًا وممكن أن يكون كتابيًا. أمّا الرواتب فهي حريّة لا أحد يستطيع أن يقيّم بها.
أمّا المشكلة الأساسيّة، فهي أنّ قيمة الضّمان الإجتماعي، لم تعد قادرة على تغطية النفقة، بالإضافة إلى الأدوية.
بالمختصر، مجلس النّواب حاليًا، يعتبر وفقًا للمادة 74 من الدّستور اللّبناني، عند خلوّ سدّة الرّئاسة، بحالة الوفاة والإستقالة وانتهاء المدّة وإلى ما هنالك، يتحول مجلس النواب من هيئة تشريعية إلى هيئة ناخبة، حتّى موعد إنتخاب رئيسٍ للجمهورية. وهذا العمل اليوم، جامد. لذلك نحن بحاجةٍ لتشريع قانون، من خلال تعديل النسب بخصوص الزوج والأولاد، إذا كنا نتحدث عن عائلة بخصوص الضمان، أي لم تعد 33 ألفا للولد و60 ألفا للمرأة، لأنّ هذه الأرقام لم تعد كافية. بالإضافة إلى قانون يعدّل الأدوية والنسب، وكذلك الزودة على الرواتب وهذه الأمور في الوقت الراهن صعبة جدًا.
فكم تحتاج العائلة لتعيش بكرامة في لبنان؟
هذا الواقع المرير، دفع بـ»الديار» لمعرفة كم تحتاج العائلة اللبنانية لتعيش بكرامةٍ في لبنان، وكانت النتيجة مخجلة.
وفي دراسةٍ أجرتها «هيومن رايتس ووتش» ، تبيّن أنّ غالبية الناس في لبنان، عاجزة عن تأمين حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية وسط الأزمة الإقتصاديّة المتفاقمة، حيث تتحمّل الأسر ذات الدّخل المحدود العبء الأكبر. هذا ما يعجّل في ضرورة أتخاذ إجراءات عاجلة للإستثمار في نظام حماية إجتماعية قائم على الحقوق ويضمن مستوى معيشيًا لائقًا للجميع.
وبحسب ما أكدته لينا سيميت، باحثة أولى في العدالة الإقتصادية في هيومن رايتس ووتش، «دفع للملايين في لبنان إلى براثن الفقر، لذلك اضطروا لتقليص كميات طعامهم.
وبين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، أجرت «هيومن رايتس ووتش» مسحًا على عينة شملت 1209 أسر في لبنان لجمع معلومات حول الظروف الاقتصادية للأفراد وقدرتهم على تحمّل تكاليف الطّعام والأدوية والسكن والتّعليم. وسأل الباحثون الأسر عمّا إذا كانوا يتلقون دعمًا ماليًا أو عينيًا من الحكومة، أو من المنظمات والجمعيات الحكومية وغير الحكومية. وقال قرابة الـ70 % من الأسر إنهم واجهوا صعوبة في تغطية النفقات أو دفعها متأخرًا.
وبلغ متوسط الدخل الشهري للأسر 122 دولارا أميركيا فقط واستمر التضخم في الإرتفاع بشكلٍ كبيرٍ منذ إجراء المسح.
ونتيجةً لذلك، شددت هيومن رايتس ووتش على الحاجة الماسة إلى نظام حماية إجتماعية شامل قائم على الحقوق ولا يترك أحدًا، ويلبي حق كل فرد في مستوى معيشي لائق وفي الضمان الإجتماعي الذي يفي بهذا الحق. وينبغي للجهات المانحة والحكومة إدراك المعاناة المنتشرة ووضع نظام يضمن توفير الضمانات الاجتماعية الأساسية، مثل إعانات الأطفال، وذوي الإعاقة، والبطالة، وتقاعد الشيخوخة، حيث تتحمل الدولة مسؤولية ضمان حصول الجميع على الغذاء والدخل بشكل آمن. على الصعيد الوطني، يكسب 40% من الأسر تقريبًا 100 دولار أو أقل شهريا ويكسب 90 % من الأسر أقل من 377 دولار شهريًا.
وفي السياق عينه، أجرت «الدولة للمعلومات» دراسة في أواخر 2022 حول الكلفة الدنيا لمعيشة أسرة لبنانية مؤلفة من 4 أفراد مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين السكن في القرية أو المدينة، وبين التملّك والاستئجار تبين ما يلي: كلفة المعيشة تتراوح بين 20 و26 مليون ليرة شهريًا بالحدّ الأدنى، وبمتوسط 23 مليون ليرة شهريًا، مشددةً على اعتماد الكلفة الأدنى بالاستناد إلى التالي:
– السكن، أي الحد الأدنى لإيجار المنزل في القرية هو نحو 2 مليون ليرة ويصل في المدينة إلى ما بين 5 و10 ملايين ليرة وربما أكثر تبعاً للمنطقة ووضعية ومساحة المسكن.
– الكهرباء حيث يعتمد اللبنانيون على المولدات الخاصة والكلفة الأدنى شهريًا هي 2 مليون ليرة وقد تصل إلى 8 ملايين ليرة.
– التعليم في المدرسة الرسمية، وأن تكون قريبة من مكان السكن أي لا توجد كلفة نقل ويذهب الطلاب مشيًا على الاقدام.
– السلة الغذائية فالحد الأدنى من الطعام يكلف 4 ملايين ليرة شهريًا إضافة إلى الخبز بكلفة 600 ألف ليرة وأسطوانة الغاز بكلفة 1450 ألف ليرة.
– المواصلات وتبلغ كلفة الكيلومتر الواحد لسيارة تستهلك 20 ليترا/ 170 كلم، نحو 50000 ليرة أي أن السيارة تقطع شهرياً مسافة 400 كلم وهو الحد الأدنى.
– الصحة: في حال تعرض المواطن لأزمة صحية فإن الفارق بين تعرفة الضمان وتعرفة المستشفى يصل إلى أكثر من 100 مليون ليرة.
– في الكساء اعتمدت الدراسة على الحد الأدنى وشراء الملابس والأحذية من المحلات الشعبية الرخيصة أو من محلات بيع الألبسة المستعملة التي تكاثرت في الفترة الماضية».
تبين أن متوسط كلفة الأسرة المكونة من 4 أفراد بالشهر يبلغ 23 مليون ليرة “.