يبدو أن سيول “الدولرة” وصلت أخيراً إلى محطات المحروقات، التي يرفض أصحابها التعامل بالليرة اللبنانيّة، مطالبين المستهلك بالتسديد بالدولار “الفريش” حصراً، على قاعدة “ابعد عن الشرّ وغنّيلو”، بعدما فُقِد الأمل بـ”لجم” جنون سعر صرف الدولار، في خطوة أثارت استياء عدد كبير من اللبنانيين.
“ما منقبض لبنانيّ”، هذا الجواب الذي تلقّته فانيسا يمّين عندما قصدت إحدى المحطات في منطقة بعبدا مقابل كنيسة مار جرجس، إذ رفض العامل الأجنبيّ تعبئة البنزين لها إلّا بعدما سدّدت له القيمة كاملة بالدولار، معلّلاً إصراره بـ”أوامر الإدارة”.
أمّا الياس الحاج، الرجل الستينيّ، وهو صاحب سيّارة أجرة لا يتعدّى مدخوله اليوميّ المليون ليرة، فيروي لموقع mtv صدمته في إحدى المحطات الشهيرة بمنطقة سنّ الفيل، بعدما أصرّ العامل المصريّ عليه الدفع بالدولار أو المغادرة.
“عملت طيلة النهار لتأمين لقمة عيش كريمة لأسرتي، فأنا أعاني من الضغط والسكريّ، وبدلاً من شراء الدواء أو ربطة الخبز، دفعت كلّ مدخولي مقابل صفيحة بنزين لأعود إلى بيتي خالي الوفاض، فمَن يُطعمني وزوجتي اليوم؟”، يسأل الحاج.
لعلّها الصدمة الكبرى في زمن الأعياد وعلى أبواب الربيع وموسم السياحة المنتظر، فلا أهلاً ولا سهلاً بالمستهلك الراغب بالدفع بعملة بلده التي لم تعد تساوي شيئاً، ببساطة لأن بورصة السوق الموازية سبّبت خسائر جمّة لأصحاب محطات المحروقات بحيث لم يعودوا قادرين على تحمّل كلّ تلك الأعباء، فإمّا اعتماد الدولار إسوة بسائر القطاعات أو التوجه نحو الإقفال التامّ. وما بين “الدولرة” و”رغبات الربح” خيط رفيع يضرب القانون بعرض الحائط ويدفع “حماية المستهلك” إلى الردّ، فماذا قالت؟
يؤكّد المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة الدكتور محمد أبو حيدر لموقع mtv أن “الآلية التي تُعتمد وفق الشكاوى في المحطات غير قانونيّة، إذ لم يصدر عن وزارة الطاقة حتّى اليوم أيّ مرسوم يُلزم المستهلك باعتماد الدولار عوضاً عن الليرة اللبنانيّة”، مشيراً إلى أنّه سيأخذ “الشكاوى الواردة في هذا التقرير على محمل الجدّ للتحرّك الفوريّ منعاً لحصول المزيد من المخالفات”.
على الرغم من إمكانات حماية المستهلك الخجولة، يشرح أبو حيدر أن “غالبية الموظفين يشكون من الرواتب وارتفاع أسعار المحروقات ممّا يعيق تنقلاتهم، إلّا أنّ هذا الأمر لا يعني الجلوس وتكتيف الأيدي، لأن الكارثة واحدة تطالنا، ودورنا المراقبة والمحاسبة، ولن نقبل بهذه التجاوزات تحت أيّ ذريعة”.
من جهته، يُثني عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس، في حديث لموقع mtv، على كلام أبو حيدر، لافتاً إلى أن مطالبتهم المحقّة باعتماد الدولرة أتت من منطلق حماية أصحاب المحطات ومنع تكبدهم أيّ خسائر إضافية نتيجة تلاعب الدولار، لا سيّما وأنّهم يشترون البنزين بـ”الفريش” حصراً، ولكن هذا لا يعني التسعير بشكل عشوائيّ واتخاذ قرارات غير قانونيّة على حساب المواطن الذي له مطلق الحرّية بالدفع بالدولار أو ما يُعادله بالليرة اللبنانيّة وفقاً للجدول اليوميّ الصادر عن وزارة الطاقة.
في السياق، أشارت مصادر متابعة لموقع mtv إلى أن “وزارة الطاقة تدرس بشكل جدّي آلية اعتماد جدول يوميّ بالدولار، غير أن هذا الأمر لا يزال قيد الدراسة نظراً للوضع الاقتصاديّ الصعب بالبلد، ولكنه ليس مستبعداً وستتضحّ معالمه قريباً”.