تتعالى دعوات العصيان المدني بين اللبنانيين من دون أن تشقّ طريقها إلى أرض الميدان، فـ»الغضب الساطع» لم يأت ولم يبلغ ذروته بعد رغم الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار الأميركي والغلاء في السلع والبضائع بعد دولرتها عن بكرة أبيها، ما أفقد العملة اللبنانية قيمتها الشرائية وباتت مجرّد أوراق وأرقام، ولم يستوعب كثيرون تطورات ما يجري بعد.
«نداء الوطن» رصدت بعضاً من المشاهد اليومية اللافتة وعنوانها تسارع الإنهيار في ظلّ الفوضى التي تحكم الأسواق، وتواصل تلاشي الدولة بين غياب المعالجة الجدّية وبين اضراب العديد من القطاعات الرسمية، ما يتسبّب بشلل إضافي والإضرار بمصالح الناس، وبينهما تهديد قطاعات أخرى بالانضمام إليها ومنها الصيدليات وربّما المستشفيات لتكتمل حلقة الفراغ. وفيما لوحظ قيام بعض المحتجّين بإقفال بعض الطرقات في عدد من المناطق، لم يصل الإقفال إلى صيدا وساحاتها وشوارعها وكأنّ الناس غير معنية بالدفاع عن لقمة عيشها وتريد من يحصّلها لها من دون عناء أو تعب، أو النزول على الأرض للاحتجاج والتعبير عن الغضب.
غياب الاحتجاج قابله إقفال الكثير من الصيدليات جرّاء الانهيار الحاصل في القطاع، التزاماً بقرار نقابة الصيادلة في لبنان بسبب عدم مبالاة المسؤولين، وبسبب توقّف الشركات والمستودعات عن تسليم الأدوية للصيدليات بشكل شبه كلّي منذ أكثر من أسبوعين، وبعد إفراغ الصيدليات من الأدوية، وبدعوة مجلس النقابة الصيدليات للاقفال إلى أن يعاد تسلّم الأدوية بالصيغة التي يتّفق عليها المعنيون.
كذلك قابله اقفال الكثير من محطات الوقود وقد توقّف أصحابها عن البيع طوعاً وبقرار فردي حيناً ومنسّق أحياناً، بذريعة أنّه لم يعد بمقدورهم مواكبة الدولار، علماً أنّ ثلاثة جداول يومية تصدر لتحديد أسعار البنزين، والصفيحة تبلغ نحو 18 دولاراً ونصفاً، لكنّ المشكلة تكمن في سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء والتقلّبات السريعة. بين أروقة المحطّات تدور أحاديث كثيرة، عن أنّ بعض أصحابها أقفلوا بانتظار هدوء السوق، ومن بقي صامداً بات يشتري الدولار كلّ ساعة، ولا ينتظر نهاية اليوم لاستبدال الغلّة اللبنانية.
وتوقّفت بعض الأفران عن انتاج الخبز بأنواعه المختلفة، أو تخفيضه إلى الحدّ الأدنى واقتصار بيعه داخلها من دون توزيعه على السوبرماركات والمحال التجارية كعادتها، وسط مطالبة بـ»الدولرة» أو إصدار جدول بالأسعار يومياً مرّة أو مرّتين إذا اقتضى الأمر.
وتمدّد الاضراب الى مكاتب محافظة لبنان الجنوبي، فأقفلت أبوابها في خطوة احتجاجية اضافية، ولم يعد الموظفون يحضرون كما في السابق لانجاز المعاملات الداخلية من دون استقبال معاملات جديدة، حيث تؤكد أوساطهم «أنّ الأوضاع لا تبشّر بالخير، وأنّ الاقفال قد يمتدّ إلى ما بعد عيد الفطر المبارك، حيث تعمد رابطة موظّفي القطاع العام إلى تجديده كلّ أسبوعين وهي تراهن على جلسة مجلس الوزراء المتوقعة في غضون الأيام المقبلة للتعاطي بمسؤولية مع مطالبهم».
ويقول رئيس اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في صيدا والجنوب عبد اللطيف ترياقي لـ»نداء الوطن»: «إنّ مشهد الانهيار مخيف ومتسارع فوق الوصف والتوقّع، فسعر صرف الدولار بعد المئة ألف يختلف عن السابق، ما يجعلنا بأمسّ الحاجة إلى أن يتحمّل المسؤولون مسؤولياتهم تجاه المواطن والوطن معاً».
المصدر : نداء الوطن