أعاد المشهد المأسوي للزلزال الذي تعرضت له كل من تركيا وسوريا والهزات الإرتدادية التي تعقب هذه الكارثة الانسانية وتُطاول عدداً من دول المنطقة، لا سيما منها لبنان، مشهد انفجار المرفأ في بيروت والذي تسبّب في ارتدادات هزّت المدينة بكاملها وأسفرَ عنه مقتل ما لا يقل عن 280 شخصًا، وإصابة أكثر من 7000 آخرين، وإلحاق أضرار جسيمة في كافة النواحي المادية والمعنوية. هذا المشهد الذي أحيا الأسئلة التي لا تزال عالقة في الأذهان عن دور الدولة اللبنانية ومؤسساتها في كافة القطاعات في إدارة الكوارث الكبرى والحَد من مخاطرها عند حدوثها.
وعلى رغم من أنّ لبنان ملتزم بمبادىء واستراتيجية يوكوهاما ومعايير العمل التي تضمنها كل من هيوغو (2005-2015) وسينداي (2015-2030) حول الحد من مخاطر الكوارث، إلا أننا على الأرض في كارثة كبرى مثل انفجار مرفأ بيروت، لوحِظ غياب دور مؤسسات الدولة في كافة القطاعات ليس فقط لجهة تجنّب حدوثها منذ البداية بل أيضاً في إدارة مخاطرها واستيعاب آثارها بعد وقوعها وعدم المُلاءمة والكفاية والتنسيق في احتواء مفاعيلها. فالجهد الكبير المَبذول والذي ما زال يُبذل للتخفيف من آلام ضحايا الانفجار هو على يَد المنظمات غير الحكومية مثل الصليب الأحمر والأمم المتحدة والقطاع الخاص (المبادرات الفردية) والجيش اللبناني والسفارات في غيابٍ كلّي لدور الدولة ومؤسساتها في هذا الإطار، حتى دور البلديات كان خجولاً جداً. ففقدان الفاعلية والكفاية في سرعة مواجهة كارثة المرفأ في كافة القطاعات المؤسساتية للدولة أثّر وما زال يؤثّر على مرحلة التعافي من آثار الإنفجار على كل المستويات.
كما أن عدم وجود لجنة أو وحدة مُختصّة تعمل وفق استراتيجية عامة تنسّق بين كافة قطاعات الدولة من جهة وبين الجهات غير الحكومية من جمعيات وأفراد متطوعين من جهة أخرى، أدّى إلى عرقلة ﺗﻳﺳﻳﺭ ﺍﻟﺻﻠﺔ ﺑﻳﻥ ﺍﻹﻏﺎﺛﺔ ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺗﺄﻫﻳﻝ ﻭﺍﻟﺗﻧﻣﻳﺔ. وعلى رغم من وجود وحدة إدارة للمخاطر في مجلس الوزراء اللبناني مُنشأة في العام 2010 بالشراكة ما بين الحكومة اللبنانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي منوط بها إدارة كافة مراحل الحد من مخاطر الكوارث، من وقايةٍ واستعداد واستجابة وتَعاف، إلا أننا على الأرض لم نلمس فاعليتها في تعزيز التعاون بين المؤسسات والقطاعات والمنظمات والجمعيات غير الحكومية المختلفة في لبنان لإدارة كارثة مرفأ بيروت والحَد من آثارها وفق استراتيجية إغاثة وتأهيل وتنمية تُنسّق بين قطاعات الدولة من جهة وبين الجهات غير الحكومية من جمعيات وأفراد متطوعين من جهة أخرى.
واليوم وفي ظل هذه الكارثة الإنسانية التي تواجهها كل من تركيا وسوريا، والتي حتى تاريخه لم تتبيّن بعد حدودها، وما تركته من أثر على طبقات القشرة الأرضية والفوالق الممتدة من تركيا حتى لبنان، والتي ما زلنا نقع تحت تأثير تحركاتها يومياً يُثير الرعب في قلوب جميع المواطنين اللبنانيين خصوصاً في ظل غياب مؤسسات الدولة عن التعليق أو الاجابة عن مخاوف الناس، فقد باتَ من الضروري أن تقف الدولة ومؤسساتها موقف المسؤول لوضع سياسة وطنية شاملة لإدارة الكوارث وتفعيل نُظم الإنذار المبكر الذي يتطلب لتفعيله وجود منظومة متكاملة تبنى على اساس تقييم الاوضاع وفق اساليب واستراتيجيات معينة، بما يساعد على التنبؤ بكارثة معينة للحيلولة دون وقوعها، او على الاقل التقليل من حجم الخسائر التي قد تخلفها تلك الكارثة.
ألم تكفي رائحة الموت والدمار المتصاعدة من هذه الكارثة الانسانية في تركيا وسوريا لإفاقة مسؤولي الدولة اللبنانية للتنبّه الى مخاطر ما يحدث أو ما قد يحدث؟!
اننا اليوم بأمس الحاجة الى الوعي بما يحدث حولنا لاتخاذ الاجراءات اللازمة لتجنّب أو لِلحَد من اي كارثة إنسانية قد نكون معرضين لها بتفعيل نظم الاستجابة لدى كافة المؤسسات والقطاعات المعنية وتقييم ووضع استراتيجيات لإدارة الكوارث في لبنان ونشر ثقافة الوعي بين الناس بمفهوم الكوارث والحد من مخاطرها وطريقة التعاطي معها في حال حدوثها.
فعلى جميع وزارات الدولة المعنية والجهات النقابية والجهات غير الحكومية التأهّب للتأكد من سلامة المباني والطرق حفاظًا على أمن جميع المواطنين وسلامتهم، ووضع خطة استجابة لأي كارثة إنسانية قد نكون معرّضين لها.
ما يحدث حولنا قد يكون إنذارا مبكرا لكي نَعي ونستفيق من حالة الغيبوبة التي نعيشها على كافة مستويات الدولة. فهل من مجيب؟
المصدر : الجمهورية