لم يعد الوقت يُسعف كثيراً لاستكمال السنة في المدارس الرسمية، ولا حتى لمنح المعلمين كل مطالبهم. فالانهيار المتسارع يزيد من عمق الأزمة لدى موظفي القطاع العام والأساتذة ويهوي بمداخيلهم ويجعل الأرض مهيأة لمزيد من الإضرابات التي تدور في حلقة مفرغة طالما أن الدولة عاجزة عن منح حوافز وزيادات على الرواتب أو حتى مفلسة.
صار مصير السنة الدراسية مطروحاً للبحث، حتى أن البعض يطالبون بتعليقها بما يعني ذلك انهاء التعليم الرسمي ونزع سلاح المعلمين بالإضراب والمقاطعة، خصوصاً وأن التعطيل في الثانوي والأساسي الرسمي دخل يومه الـ49، ولم يتبق أكثر من ثلاثة أشهر أي نحو 50 يوماً تدريساً فعلياً إذا عاد الاساتذة، وحينها لا يمكن استكمال المنهاج الدراسي كاملاً ما سيضظر الوزارة إلى تقليصه وحذف مواد دراسية من الامتحانات الرسمية.
الاجواء المشحونة واستعصاء المعلمين والمتعاقدين والإصرار على سلة مطالب كاملة، لا تؤشر إلى عودة محتملة إلى التعليم، على الرغم من حدوث خروق بعد فتح مدارس كثيرة أبوابها لاستقبال التلامذة. فالرابطات ولجان المتعاقدين وعموم الأساتذة باتوا يرفعون شعارات يستحيل تحقيقها في ظل الأوضاع الراهنة، ولا يقبلون بما قدمته التربية والذي يشكل حداً مقبولاً لاستئناف الدراسة، وهم غير مستعدين لربط النزاع أقله للأشهر المتبقية من السنة لإنقاذها. وبينما كل المطالب مالية وهي محقة في الأساس، فإن المطروح يمكن البناء عليه، فإعطاء الأساتذة 5 ليترات بنزين بدل نقل عن كل يوم تدريس هو أحد المطالب التي تحققت، ومعها دفع 100 دولار شهرياً كبدل انتاجية لـ16 يوم تعليم شهرياً، إضافة إلى تحويل 300 دولار عن الاشهر الثلاثة الأولى للسنة الدراسية، فيما الرواتب تُصرف على اساس سعر صيرفة الرسمي. علماً أن ما يطالب به الأساتذة بتثبيت صيرفة على 20 ألف ليرة لم يوافق عليه حاكم مصرف #لبنان.
العودة إلى التعليم باتت أولوية لإنقاذ ما تبقى من السنة وحتى انقاذ التعليم الرسمي، بدلاً من اللجوء الى تصعيد مفتوح قد يطيح بكل مرتكزات التربية. استمرار التعليم يحفظ على الأقل القطاع الرسمي ويمكن البناء عليه لتحصينه وتحقيق مطالب لاحقة، خصوصاً وأن الجهات المانحة ليست بصدد تخصيص أموال دعم للمعلمين لأسباب لها علاقة باولوياتها أولاً ثم بموقفها من الحكومة اللبنانية لغياب الاصلاحات، وهي تشمل كل المؤسسات بموقفها. أما إذا لجأ الأساتذة إلى التصعيد وتمدد حتى نهاية السنة طلباً لتحصيل حقوقهم كلها، فذلك يعني أننا سنكون أمام سيناريوات عدة كلها سترتب خسائر فادحة على التعليم الرسمي، بينما المدارس الخاصة شارفت على انهاء المناهج، وهي تستوعب أكثر من 70 في المئة من المتعلمين أو تلامذة لبنان.
لا يبدو أن وزارة التربية بصدد اتخاذ قرار بتعليق السنة الدراسية، فلا يزال هناك وقت للتعويض إذا تحمل الجميع مسؤولياتهم، وما قُدم للاساتذة والمتعاقدين هو أقصى المتاح حالياً، إلا إذا حدثت معجزة بدعم استثنائي من جهات مانحة، وهو مستبعد حالياً. لكن سيناريوات مطروحة يمكن أن تشكل بديلاً لإنقاذ 300 الف تلميذ من التسرب أو الانتقال إلى المدارس الخاصة، وهذا الخيار الاخير يبدو الأكثر منطقية على ما شهدناه في مناطق عدة من لبنان فرغت مدارسها الرسمية من التلامذة حيث لم يعد هناك وظيفة لمعلميها، بعد أن اختار أهالي التلامذة نقل أولادهم إلى الخاص رغم التكلفة الباهظة عليهم.
في كل حال، ليست وزارة التربية بوارد اللجوء إلى المدارس الخاصة لاستكمال تعليم تلامذة الرسمي، لكنه خيار يبقى قائماً في حال التمنع عن العودة، طالما أن لا قرار بتعليق السنة الدراسية لخطورة ذلك، وعليه هناك أيضاً مسؤولية على المعلمين ورابطاتهم، إذ أن الخسائر لن تقتصر على ضياع أيام دراسية بل ستطيح بالتعليم الرسمي كله، ومعها الأسوأ… اي لا امتحانات وشهادات ولا حتى إفادات!
المصدر : النهار