” الانهيار الدراماتيكي لليرة اللبنانية والنزيف الاجتماعي الحاصل اليوم، والذي تفجر غضبا في الشوارع، ليس سوى رأس الجليد مما يتحضر للبنان في المرحلة المقبلة. وعليه، قد تحمل الايام المقبلة فوضى امنية تتمثل بالهجوم على مصرف لبنان والمصارف والسوبرماركات ومراكز تجارية، واحداث ردات فعل اكثر عنفا واكثر قوة من السابق. وهذا المشهد يتقدم مع تراجع قدرة مصرف لبنان على ردع صعود الدولار، فضلا عن ان لا حكومة فعلية بل حكومة تصريف اعمال عاجزة عن ايجاد السبل المناسبة للمعالجة بالحد الادنى لهذا الوضع الكارثي.
وفي ظل هذا الفلتان المالي وانسداد الافق لانتخاب رئيس للجمهورية، تظهر الاحزاب اللبنانية وبخاصة المسيحية، بانها لا تملك خارطة طريق سياسية، كما انها لا تحمل رؤية واضحة للايام والشهور المقبلة، بل خطوات تكتيكية لا اكثر، ما يضعف موقعها في مواجهة ومواكبة المرحلة المقبلة.
وهذا ما تؤكده اوساط سياسية، ان الخراب والفلتان المالي والفوضى والشغب ستسيطر على الوضع في لبنان. والمؤسف ان لا حزب سياسيا لبنانيا قادرعلى مخاطبة الناس وتقديم حلول جدية لهم.
جنون الدولار وانتخاب رئيس للجمهورية
في التفاصيل، تراجع البحث عن موضوع انتخاب رئيس للجمهورية مع ارتفاع الدولار الى اكثر من 80 الف ليرة، ما ادى الى ازمة كبرى، اهمها استعمال الدولار لشراء المواد الغذائية والمعيشية والاستهلاكية في السوبرماركات والمحلات التجارية. هذه الدولرة التامة تُطبق في لبنان للمرة الاولى منذ الاستقلال بشكل رسمي بعد اجتماع مع الرئيس نجيب ميقاتي وستة وزراء اخرين، واعلان وزير الاقتصاد امين سلام قرار تسعير البضائع بالدولار.
من جهته، قال رئيس صندوق النقد الدولي في الشرق الاوسط جهاد ازعور، ان لبنان لم يلتزم ولم يطبق الاصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي. وتقول المعلومات ان خصخصة المؤسسات اللبنانية هي شرط اساسي، او بالاحرى ممر اساسي للوصول الى انتخاب رئيس للجمهورية. ولكن لبنان رفض خصخصة القطاع العام، وهذا هو سبب الخلاف مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما كشفت مصادر ديبلوماسية للديار ان سفراء الدول الذين اجتمعوا في باريس للبحث في الموضوع اللبناني، اعربوا عن عدم ثقتهم بالحكومة والمجلس النيابي بسبب تعطيلهما للخصخصة. وعليه، يضيع لبنان 40 مليار دولار قد تتبرع بها دول كمساعدات للدولة اللبنانية اذا طبق الاصلاحات المرجوة منه، وَفقا للمصادر الديبلوماسية.
وتعقيبا على الغضب الشعبي الحاصل والارتفاع الناري للدولار، قال امين سر الحزب التقدمي الاشتراكي ظافر ناصر للديار ان ضغط الشارع والتدهور المالي المتسارع لم يحفز القوى الداخلية على الالتقاء لنقاش جدي لانتخاب رئيس للجمهورية للاسف. واعتبر ناصر ان عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيزيد التدهور، ولذلك يجب ان يكون حافزا اضافيا للقوى اللبنانية، على ان تتخذ قرارا داخليا بانهاء الشغور الرئاسي وعدم الرهان على الخارج الذي يبدو واضحا انه لا يضع لبنان اولوية في حساباته.
من جانبها، رأت مصادر وزارية مطلعة ان التدهور الحاصل لا علاقة له بتسخين الارض لتسريع انتخاب رئيس، حيث انه من الطبيعي ان يتسارع التدهور الاقتصادي والمالي نتيجة شغور رئاسي وحكومة تصريف اعمال وعدم قدرة مصرف لبنان على ضبط سعر الصرف، وبالتالي ستتفاعل الازمة الاقتصادية للاسوأ اذا لم تتم معالجتها. واذا لم يحصل انتخاب رئيس وتاليف حكومة جديدة، ستشهد البلاد تدهورا اكبر.
وتساءلت هذه المصادر: انه امام تصاعد الازمة في لبنان، هل سيبقى حزب الله على دعمه للوزير السابق سليمان فرنجية ام انه سينتقل الى خيار توافق رئاسي؟
وتابعت اذا بقي لبنان دون رئيس للجمهورية، فان وتيرة الانهيار ستتسارع، والاحتقان الشعبي سينفجر في كل المناطق اللبنانية.
مرشحو الرئاسة الاكثر حظا
في سياق متصل، وضع الرئيس نبيه بري ملف الاستحقاق الرئاسي على نار حامية، وهو يرغب في ان يكون الوزير السابق سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية. وقالت مصادر مطلعة رفيعة المستوى للديار انه خلال اللقاء الخماسي الذي عقد في باريس، رشحت فرنسا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية.
في المقابل، يرفض الثلاثي الماروني القوات اللبنانية وحزب الكتائب والتيار الوطني الحر فرنجية، ولذلك لن يتمكن بري من جمع اكثر من 55 نائبا لانتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية.
والمرشح الثاني، وهو قائد الجيش جوزف عون، قادر على جمع 65 نائبا. كما كشفت مصادر ديبلوماسية للديار ان هذه الفوضى الامنية وجنون الدولار ليسا امرا عفويا، بل مدروس وله مخطط احباط وصول قائد الجيش العماد جوزف عون رئيسا للجمهورية، عبر الضغط على المؤسسة العسكرية واختبارها في مواجهة اعمال الشغب.
وهناك مرشح ثالث يجري التداول باسمه، وهو الوزير السابق ناجي بستاني محامي وزارة الدفاع، وهو ضليع في بناء مؤسسات الدولة. كما ايد البطريرك الراعي البستاني لرئاسة الجمهورية، فضلا عن انه يحظى باصوات اكثر من 65 نائبا، وقد يكون ناجي بستاني رئيس الجمهورية القادم.
اما بقية اسماء المرشحين الوفاقيين، فقد تراجعت حظوظها لان بكركي لم توافق عليهم، انما حصرت تاييدها بالمرشحين روجيه ديب وناجي بستاني.
ميقاتي يتهم جهة تعمل بـ «كبسة زر» من محركيها
من جهته، اعتبر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان من قام بحرق المصارف لا يمكن ان يكون من المودعين، بل هي جهة تحرك هؤلاء بكبسة زر. وهذا اتهام يشير الى ان الخراب الذي صار في اليومين الاخيرين، لا سيما حرق فروع لبعض المصارف، هو امر مدبر ذو اهداف معينة وليس انفعالا.
كما ترأس ميقاتي انعقاد مجلس الامن المركزي للبحث في مجريات الاحداث والحفاظ قدر المستطاع على الامن. وشارك في الاجتماع وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي، قائد الجيش العماد جوزف عون، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا.
وتعقيبا على هذا الاجتماع، رأت مصادر مطلعة في حديثها للديار ان هذا الاجتماع بمقدار ما هو مهم لانه يجمع ابرز قادة الامن في لبنان بمقدار ما تنقصه الرؤية الصحيحة لمعالجة الازمة. وخلاصة القول، ان ميقاتي يعالج النتيجة وليس السبب. وتابعت ان الفقر ازداد في لبنان حتى اصبح 70% من الشعب اللبناني فقيرا، وبالتالي اعمال الغضب التي ينفذها مواطنون تعبر عن مدى اليأس الذي وصلوا اليه، وتشير الى انهم فقدوا ثقتهم بالدولة وباتوا يعتبرون انهم وحدهم قادرون على تحصيل حقوقهم.
وعليه، قالت هذه المصادر ان الامن قبل العدالة، ولكن بعد ضبط الامن من سيطعم العائلات الجائعة، ومن سيؤمن الحاجات الاساسية للاطفال ولكبار السن.
الصراع بين القضاء والمصارف شل البلد
الى ذلك، قالت اوساط سياسية للديار انه عندما ترفع الدعاوى على المصارف تكون تجارية وليس جزائية، انما ادعاء القاضية غادة عون على المصارف وعلى حاكم مصرف لبنان بتهمة تبييض الاموال ادى الى فقدان الامل لدى قسم كبير من اللبنانيين، بخاصة ان عدة مصارف اظهرت عجزها عن دفع الودائع نتيجة الخسائر الكبيرة التي منيت بها. اضف الى ذلك، طلبت القاضية عون رفع السرية المصرفية بمفعول رجعي لست سنوات لرؤساء مجالس ادارة مصارف. كل هذا، ادى الى تصادم بين القضاء وجمعية المصارف، خصوصا ان بعض المودعين منهم في فرنسبنك قدموا دعاوى في لندن وحكمت المحاكم على المصرف المذكور بدفع الوديعة نقداً لأحد المودعين. وفي ظل الخلاف الحاصل بين الوزير باسيل من جهة وبين جمعية مصارف لبنان ومصرف لبنان، اشتعلت الامور بين الجانبين. وبما انه لا رئيس للجمهورية وحكومة تصريف اعمال يصعب عليها الاجتماع الا عند الضرورة القصوى، ولان مجلس النواب لا يستطيع التشريع بعد ان اصبح هيئة انتخابية لرئاسة الجمهورية، فضلا عن ان وزير العدل تابع للتيار الوطني الحر، فامتنع عن التدخل بين القضاء والمصارف. وعليه، لم يعد هناك من مسؤول كبير يستطيع التدخل في صراع القضاء والمصارف. بناء على ذلك، لم تجد جمعية المصارف من حل الا اعلان الاضراب الشامل، وهذا ادى الى شل البلاد كليا.
القوات اللبنانية: نريد رئيسا سياديا
من جهتها، قالت مصادر قواتية للديار انها بصدد وضع كل الجهود لتوحيد موقف المعارضة، خاصة في الاستحقاق الرئاسي من اجل ترجمة نتيجة الانتخابات النيابية التي افقدت قوى 8 اذار الاكثرية النيابية.
وردا على ما يقال ان القوات اللبنانية لا تملك رؤية سياسية واضحة، اكدت المصادر القواتية ان رؤية حزب القوات اللبنانية تكمن في تطبيق الدستور والالتزام بالاليات الديموقراطية المنصوص عليها، مشيرة الى انه لو تم الالتزام بالمهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي لكان انتخب رئيس للجمهورية. ولفتت الى ان حكم الفريق الاخر ادى الى انهيار لبنان نتيجة سياساته الكارثية.
المصدر : الديار