تتّسع الفوضى الناتجة عن الارتفاع المستمر لسعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية، الذي تجاوز أمس 77 ألف ليرة قبل أن يتراجع إلى نحو 75 ألفا، فيما تشير التوقعات إلى استمرار ارتفاعه من دون سقف نتيجة الأوضاع المالية والسياسية التي تتفاقم يوماً بعد يوم في غياب أي إجراءات رادعة، وهو ما أدى أمس إلى تسجيل بعض التحركات الشعبية، وإقفال الطرقات في عدد من المناطق. وهذا الارتفاع الذي ينعكس إرباكاً وفوضى في الأسواق يؤدي إلى مطالبة قطاعات عدة باعتماد «الدولرة» أي التسعير بالدولار، رغم أن الإجراءات التي سبق أن اتخذت اعتمدت وضع جداول الأسعار بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق السوداء، على غرار ما يحصل في قطاعي المحروقات والأدوية وغيرهما. لكنّ القيمين على هذه القطاعات يعتبرون أنها غير ناجحة بسبب التقلبات التي يشهدها سعر صرف الدولار بين ساعة وأخرى في اليوم الواحد، وهو ما أدى بأصحاب محطات الوقود يوم أمس إلى المطالبة بـ«دولرة الأسعار»، محذرين من الإقفال، حتى أن بعضها بدأ يفرض على المواطنين الدفع بالدولار، فيما عمد البعض الآخر إلى إقفال المحطات، رغم رفض وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض لمطلبهم، معتبراً أنه مخالف للقانون. وفي وقت تعمد فيه الوزارة إلى إصدار جدولين للأسعار يومياً، أعلن فياض أمس أن الوزارة تعمل على منصة لإصدار أكثر من جدولين في اليوم، تماشياً مع تقلب سعر الصرف، مؤكداً «لن نتوجه إلى تسعير البنزين بالدولار»، موضحاً أنه «بحسب قانون حماية المستهلك يجب أن تصل المادّة للمواطن بالليرة اللبنانية».
وفي حين تجاوز سعر صفيحة البنزين المليون و400 ألف ليرة، وفق آخر جدول أصدرته أمس وزارة الطاقة، وجهت نقابة أصحاب المحطات رسالة مفتوحة إلى الوزير فياض تطالبه بإصدار الجدول بالدولار الأميركي، وقالت: «بعد استنفاد كل الحلول التي قامت بها الوزارة على مدى السنوات الماضية، وآخرها الوصول إلى إصدار جدولين في اليوم وحتى صدور جدول أيام العُطل، كل ذلك لم ينفع باستقرار سوق المحروقات بسبب الصعود المستمر للدولار». وطلبت من الوزير فياض «أخذ المبادرة لإصدار جدول أسعار بالدولار الأميركي لفترة محدودة لحين استقرار الأوضاع؛ لما فيه مصلحة المواطن وصاحب المحطة على حد سواء».
ويربط الخبير الاقتصادي لويس حبيقة الارتفاع المتواصل لسعر صرف الدولار بالأوضاع السياسية في لبنان، معتبراً أن كل الأسباب الأخرى التي يتم الحديث عنها ثانوية، مع تأكيده أنه لا سقف لما قد يصل إليه سعر الصرف في المرحلة المقبلة في ظل المعطيات الحالية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة تكمن في تراكم سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، ما أدى إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية وعدم الثقة بالليرة اللبنانية، هذا في وقت لا يملك المصرف المركزي الدولار الأميركي لضخه في السوق». وعن المطالبة بـ«دولرة» الأسعار، يقول حبيقة: «هذا الأمر منطقي في ظل الأوضاع الحالية، لكن المشكلة تكمن في الفوضى التي سترافق التطبيق، لا سيما إذا كان الدفع سيتم بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف في السوق الحرة، كما أن اعتماد الدفع بالدولار غير قانوني، وسيؤدي إلى إلغاء الليرة اللبنانية، وهذا ليس حلاً، كما أنه ليس من مصلحتنا».
من هنا يعتبر أن الحل يكمن، في قطاع المحروقات على سبيل المثال، فيما أعلنه الوزير لناحية العمل على منصة لإصدار الأسعار بالليرة اللبنانية، شرط أن يتم إصدار الجدول كل ساعة تقريباً. ومع وصول سعر صرف الدولار أمس إلى أكثر من 77 ألف ليرة، سجلت تحركات شعبية في بيروت، حيث قام محتجون بقطع الطريق عند مستديرة الكولا، وعمد عدد من سائقي السيارات العمومية إلى قطع السير بالقرب من وزارة الداخلية، وفي شمال لبنان قطع مواطنون طريق البداوي الدولية بـ(طرابلس) في الاتجاهين بعدما وضعوا سيارات وصهاريج وحاويات نفايات وحجارة وإطارات سيارات وسطها؛ احتجاجاً على ارتفاع سعر صرف الدولار، وتردي أوضاعهم المعيشية، بحسب ما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام». كما أقدم مواطنون آخرون على قطع طريق المنية الدولية لجهة عكار، ما تسبب في زحمة سير في الطرقات الفرعية البديلة، إضافة إلى قطع الطريق المؤدية إلى سرايا طرابلس.
المصدر : الشرق الأوسط